تتردد في أروقة مكاتب السادة النساخ عبر ربوع المملكة عبارة
طريفة عن عملية البحث عن النسخة وهي : النسخة لمن إستطاع إليها سبيلا .. لا يقصد
بها التضارب والتطاحن بين البعض على هذه النسخة (لأن قاضي التوثيق هو المكلف
بتوزيعها بينهم بالتساوي) ، ولا يقصد بها إقتطاع الثلثين من طرف العدلين الموقعين
عليها (ظلما وعدوانا) ، ولا يقصد بها حشر بعض منتحلي الصفة أنوفهم في العملية فيما
يشبه السمسرة والنصب والإحتيال ... وإنما يقصد بها البحث عن المجهول ، والبحث في
غيابات الجب عن طرف خيط يوصل المواطنين إلى حقوقهم الضائعة ، وما يشكله هذا البحث
من إختلاف وتلاسن يومي بين المواطنين وبين السادة النساخ ، خصوصا أبناء الجالية
الذين لا تجد على لسانهم سوى عبارة : نحن في إدارات الخارج نستخرج وثائقنا من الكمبيوتر
في خمس دقائق ..إلخ . وكثيرا ما يقع البعض في المحظور ويقوم بعملية البحث لمن ليست
له الصفة ولمن ليس من ذوي الحقوق ، فتجده من دون قصد يساعد خصما لصاحب الحق في
النسخة ويعطيه مراجع تمكنه من التجسس على عدوه .
قبل الإجابة عن هذه الإشكالية دعونا نستحضر أولا النصوص
القانونية المنظمة لعملية إستخراج النسخة والبحث عنها :
·
المادة
11 من ظهير شريف رقم 1.01.124 صادر في 29 ربيع الأول 1422 (22 يونيو 2001) بتنفيذ
القانون رقم 49.00 المعلق بتنظيم مهنة النساخة . الفقرة باء : أن يستخرج من السجلات
المذكورة نسخ الشهادات المضمنة والمخاطب عليها .
والمادة 12 من نفس الظهير : تستخرج نسخ الشهادات المشار إليها
في المادة 11 أعلاه إذا تعلق الأمر بأصحاب الشهادات أو ذوي الحقوق بناء على طلب
كتابي يؤشر عليه القاضي المكلف بالتوثيق . لا تستخرج النسخ إذا تعلق الأمر بغير
الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأولى من هذه المادة إلا بناء على أمر كتابي معلل
يصدره القاضي المكلف بالتوثيق.
·
المادة
9 من مرسوم رقم 2.01.2825 صادر في 6 جمادى الأولى 1423 (17 يوليو 2002 ) بتطبيق
أحكام القانون رقم 49.00 المتعلق بتنظيم مهنة النساخة : يتقاضى الناسخ عن إستخراج
نسخ الرسوم والبحث عنها في السجلات أجرته من طالب النسخة طبق التعريفة المحددة
بقرار لوزير العدل مقابل وصل مستخرج من الكناش المشار إليه في الفقرة الأولى من
المادة 8 أعلاه .
·
المادة
1 من قرار لوزير العدل رقم 618.03 صادر في 4 صفر 1424 موافق 17 أبريل 2003 كما وقع
تغييره وتتميمه بقرار رقم 912.11 صادر في 15 جمادى الأولى 1432 موافق 19 أبريل
2011 تحدد بموجبه تعريفة أجرة تضمين الشهادات وإستخراج نسخها : تؤدى عشرون درهما
مقابل البحث في سجلات التضمين عن كل سنة على ألا يتعدى ذلك 450 درهما .
بإستقراء النصوص السالفة الذكر يتوضح جليا وبما لا يدع مجالا
للشك أن البحث عن النسخة نظمها المشرع تنظيما وافيا (بغض النظر عن عدم موافقتها
لتطلعات السادة النساخ) بحيث جعل البحث عن النسخة أمرا مشروط أولا بتقديم طلب خطي من طرف
طالبها يؤشر عليه القاضي المكلف بالتوثيق والذي يسهر على توزيعها بين السادة
النساخ بالتساوي وبالعدل ، وثانيا جعلها المشرع مقرونة بالتأكد من صفة طالب البحث
لئلا يقع الناسخ في المحظور ويبحث لمن ليس له الصفة فيعطي المراجع لمن ليس من ذوي
الحقوق والذي إشترط فيه القانون المنظم للمهنة ضرورة سلك مسطرة القرار المعلل . وثالثا
أوجب المشرع أيضا على السيد الناسخ الملقاة على عاتقه هذه المهمة إلتزام الأجرة
القانونية المحددة في 20 درهم عن كل سنة على ألا تتجاوز 450 درهما مقابل وصل
مستخرج من كناش ذي جدور والمؤشر على صفحته الأولى والأخيرة من طرف قاضي التوثيق .
كلنا نعلم علم اليقين أن عملية البحث عن النسخة من أصعب
المهام المكلف بها السيد الناسخ بعد التضمين والإستخراج ، فالغبار والرطوبة والعفن
المنتشر بأرشيفاتنا غني عن التعريف ، والكنانيش
المهترئة والمتفسخة والمكردة تعيق عملية البحث ، فضلا عن طلاسيم الكتابات الغامضة
والتوقيعات المجهولة والأشكال المنسية ، وعدم إدلاء المواطن بأي طرف خيط مساعد (إذ
تجده تائه فيما بين التواريخ والسنوات وضائع فيما بين الأحداث المتزامنة مع تاريخ
شهادته) لا يجدي معه نفعا البحث في المالية ولا في مكتب الحالة المدنية ولا في أي
إدارة أخرى . وكلنا نعلم المشاداة الكلامية اليومية بين طالبي البحث وبين السادة
النساخ المنوطة بهم عملية البحث تؤرقهم وتقض مضاجعهم إلى أن يقضي الله أمرا كان
مفعولا . فضلا عن الإتهامات والإفتراءات والتهديدات التي يتعرض لها يوميا السادة
النساخ من طالبي البحث تجعلهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام الطلبات المتزايدة والتوالد
المستمر للسجلات العدلية وقلة التجهيزات الأساسية وضعف الشبكة الخدماتية وإنعدام البنية
المعلوماتية وطغيان الأعراف والتقاليد السارية ، وهروب الركب الحضاري عن النساخة التقليدية .
إلا أنه ، وكالعادة ومن منطلق الحيادية وتقديم النصيحة الأخوية للسادة
النساخ نلتمس منهم التحري في عملية البحث عن : صفة الطالب ، وعن علاقته بالبحث ، وعن غرض
إحتياجه لهذا البحث ، والإلتزام بالمسطرة قدر المستطاع دون تغييب للشروط المذكورة
آنفا ودون تجاهل للقوانين المنظمة ودون تجاوزات ولا خروقات ولا مماطلة ولا بهتان تحقيقا
لمبدأ سمو المهنة وتحقيقا للإحترام لكافة السادة النساخ وللمحافظة على هيبة وشموخ المهنة
.
الناسخ رضوان الركراك