الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الإضراب قضية الساعة


في الوقت الذي قال فيه البعض أن مهنتهم مهنة الأسياد، وفي الوقت الذي قال فيه آخرون أن مهنتهم منزهة عن كل مقارنة أو تشبيه، وفي الوقت الذي يقول فيه البعض أنهم الأفضل والأقوى والأصلح، قال النساخ القضائيون مهنتنا لم تعد صالحة، ودورنا فيها غير ذي نفع، ويجب إعلان وفاتها في أقرب الآجال الممكنة.
إنه موقف يستحق أكثر من تحليل، ويدل على أن قرارات رابطة النساخ يغلب فيها الحس
الوطني على الحس الأناني، وأنها تراعي ماأمكنها ذلك، المصالح العامة للعدول والنساخ والمرتفقين، وقد أثبت التاريخ أنها تغير طرق الاحتجاج حتى لاتضيع مصالح الغير، ومن ذلك مثلا البلاغين رقمي 16 و 17 لسنة 2011.
ومع ذلك لابد من رسالة قصيرة إلى الجميع أذكر بها نفسي وإخوتي من خلال التساؤل التالي؛
لقد قيل؛ الحق والواجب وجهان لعملة واحدة، فإلى أي حد يصدق هذا على النقابات والهيئات والتمثيليات عموما بالمغرب؟
يلاحظ المتتبع للاحتجاجات ببلادنا أن الشعارات التي ترفع كلها تندرج في خانة واحدة تحت عنوان "حقوقي حقوقي دم في عروقي لن أنساها ولو أعدموني" وتكون جافة من شعارات أخرى تدل على "وطني وطني أنا فداه" أو "واجبي واجبي لن أنساه".
وقد جرت العادة أيضا أن يتذرع المعتدي على حقوق غيره بكونه هو مهضوم حقه، وإذا نادى بحقه يضل ينادي إلى الأبد، سواء استجيب له أم لم يستجب.
ظاهرة غريبة وغير صحية تلك التي ألفها جل أفراد الشعب المغربي بكل فئاته وكل مستوياته وأطيافه، فتجد تمثيلية مهنية أو حزبية أو غيرها تنشأ وتحيى وتترعرع على كونها مظلومة، فتألف لعب دور الضحية المظلوم طوال عمرها، وتخاطب كل الغير مسؤولا كان أو غيره بأن كل المنتمين لها مظلومين، وأنهم في أرذل السلاليم يعانون، وأنهم في الأدنى في كل شيء، وكأن الشمس تحجب بالغربال.
وفي هذا السياق تخيلت لو انقلبت الآية ونزل كل متسيد من برجه العالي وتخلى عن مرضه الوهمي، كي يقدم على غرار مافعلت الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين مساوئ مهنته حتى يتم إصلاحها إصلاحا جذريا يخدم مصلحة الجميع، وبرنامجا ومشروع مخطط يحدد فيه ماله وماعليه، لأن المغرب في حاجة إلى تضحيات كي يتغير، ولأنه لاتغيير ولاإصلاح حقيقي بدون ضحايا أو تضحيات.
متى سنحترم مؤسساتنا العامة؟ ومتى سنحترم مرتفقيها؟ متى سيحس الموظف أنه يشتغل حقا عند المواطنين؟ بدل ترديد عبارة "أنا ماخدامش معاك" أو "ماخدامش عند باك" وهل سيأتي يوما يدخل فيه المواطن على الموظف فيقوم من مكانه احتراما لمشغله غير المباشر، وحين يدخل المفتش أو الرئيس لا يتزحزح الموظف من مكانه لأنه يعلم أن الله فوق الكل، وانه قد أنجز كل مايوجب القانون عليه إنجازه، وأنه يحضر في الوقت القانوني ولايخرج إلا في الوقت القانوني. ومتى نقلب وجه العملة التي كتب عليها حق الإضراب للنظر أن في وجهها الآخر واجب؟
لقد بدأ حق الإضراب يتحول إلى هواية ثم إلى حرفة، وشجع على ذلك عدم صدور القانون التنظيمي له من جهة، والمعادلة المختلة بين الكسب والخسارة من جهة ثانية، ذلك أن المضرب وهو مضرب يكسب كل شيء، والمرتفق وهو يرتفق يخسر كل شيء، فنكون أمام معادلة مختلة على النحو التالي: المرتفق يؤدي للموظف ثمن قيامه بخدمة فيترك شغلا آخر ليسافر من أجل تلقي خدمة ما، ثم يفاجئ بأن لاشيء ويكون حينها قد ضيع شغلا آخر يتوقف على خدمة الموظف المضرب، وحتى نلخص الكلام لكم الجدول التالي:


الموظف
المرتفق
الدولة
أجرة الخدمة
1
-1
-2
أداء الخدمة
0
-1
-2
تسجيل الاحتجاج
1
0
-1
إنجاز مهام إضافية شخصية
1
-3
-4
القيمة المضافة
1+0+1+1=3
(-1)+(-1)+0+(-3)=-5
(-2)+(-2)+(-1)+(-4)=-9
وعند تكرار الاضراب x مرة
3 ضرب x
-5)) ضرب x
(-9) ضرب x
ومع تعدد المرتفقين وعددهم y
3ضربx ضرب y
-5))) ضرب x) ضرب y
-9)) ضرب x الكل ضرب y
النتيجة
3xy
5xy-
-9xy
وللتوضيح: (-1) يعني خسارة واحدة، (1) يعني ربحا، فمثلا الدولة في السطر الثاني تكون قد خسرت مرتين: الاولى عدم تأدية خدمة، والثانية لم يقضى لمواطنها مصلحة لذلك تكون -2
وخلاصة القول فإن المضرب هدفه الأول والأخير هو تسجيل احتجاجه، وهذا حقه، وإذا تركنا مسألة تسجيل الاحتجاج ومدى جدية ذلك، نلاحظ أن المضرب يحقق فائدة زائدة لمصلحته الشخصية (قدر في 3 نقط)، وبالمقابل هناك ضررا أكبر من تلك المصلحة يصيب شخص المرتفق ومصالحه (قدر في 5 نقط)، وأضرارا أخرى تصيب السير العادي للدولة ومرافقها (قدر في 9 نقط).
وبما أن الضرر يزال شرعا وقانونا، يجب شطب تلك الأضرار والخسائر الجانبية، أو على الأقل التقليل منها ماأمكن، وبما أن تلك الفوائد الجانبية التي تعود بالنفع على المضرب تزيد من قوة تلك الأضرار والخسائر فيجب إذا شطبها أيضا، خاصة وان دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة.
وعليه وحتى يمارس المضرب حقه الدستوري بإخلاص وتجرد ومسؤولية، دون فوائد أو أضرار جانبية زائدة، يجب لزوما أن يعمل القانون على تحقيق التوازن، والسبيل الأوحد في نظري تقنيا يكمن في ثلاث نقط أساسية:
1-    الحد من عدد المرتفقين المتضررين وخاصة الحالات الحرجة (اقتراب y من 0).
2-    الحد من تكرار الإضراب لنفس السبب (اقتراب x من 0).
3-    محاسبة المسؤولين على عدم فعل مايلزم طبقا للقانون للحد من الإضراب ومسائلتهم عن عدم الاستجابة لمطالب المضربين (سيصبح حينها مجرد الإعلان عن الإضراب كفيل بتسجيل الاحتجاج وتحريك المعنيين).
4-    الحرمان المطلق للمضرب من أجرة الخدمة (وهذا سيؤدي إلي تقليص x من جهة، ولن تتحمل الدولة أعباء إضافية لتقليص y لأن من المستحيل أن يضرب كل الموظفين في هذه الحالة من جهة أخرى)




توقيع الناسخ القضائي بالجديدة:
العربي أبوأيوب
الهاتف: 0671.794.658
الايمايل: elarbis4@gmail.com