الخميس، 11 أكتوبر 2012

من أين لك هذا ؟

تنهج العديد من الدول المتقدمة سياسة وقانون عمر بن الخطاب رضي الله عنه "من أين لك هذا ؟ " (والذي كان يطبقه المسلمون منذ قرون خلت) لحماية مالها وثروة شعبها من النهب الذي قد يطالها من لدن عديمي الضمير ، حيث تُطبّق هذا القانون على كل مسؤول ، كبيرهم وصغيرهم لضمان نزاهة ونظافة أدائهم لعملهم ، وعادة ما يُحتّم هذا القانون على المسؤول التصريح بممتلكاته قبل توليه أي منصب ، ثم يحاسب أثناء توليه ذلك المنصب لمعرفة أي زيادة غير عادية في ثروته ، كما يتم تطبيق هذا القانون على غير المسؤولين أيضا لضمان تنامي الثروة بالطرق المشروعة خوفا من زيادتها بالأعمال غير المشروعة أو بالكسب غير المشروع ، والأمر لا
يقتصر فقط بمراقبة المسؤولين الحاليين أو القادمين ، فالأمر لا يقتصر بمؤسسة أو هيئة وإنما يتعلق بشعب وسلوك أمة ، فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته .

وفي المغرب تم في 24 مارس 2002 إنشاء الهيئة الوطنية لحماية المال العام بمبادرة من 44 منضمة حقوقية (ولها فروع في عدة مدن مغربية) ، وتتخذ هذه الهيئة تدابير ضمن حدود إمكاناتها لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته ، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر ، وثانيا بتدبير وتعزيز الشفافية في عمليات إتخاذ القرار وتشجيع اسهام الناس فيها ، وثالثا القيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد وكذلك برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية ، وأخيرا إحترام وتعزيز وحماية حرية إلتماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها ، والمطالبة بمحاسبة المتلاعبين والمستحوذين والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة .

إلا أننا نجد في الحكومة الحالية على يد رئيسها الجديد السيد عبد الإله بن كيران جاء على لسانه ما مضمونه كفى للمفسدين وعفا الله عما سلف بدون تنقيب في ملفات فساد الماضي السحيق وبدون عمليات إنتقامية والإكتفاء بطي الملف طيّا لطيفا والقول لهم : إذهبوا فأنتم الطلقاء (الفقرة الأخيرة منقولة من الجريدة الإلكترونية " لكم"يوم 26 يوليو 2012).

فهل طبّقت هذه النظرية على بعض من نعرفهم حق المعرفة (والقريبين جدا منّا) والذين راكموا ثروات كبيرة من وراء إستغفال وغبن المواطن الكريم بدون وجه حق ؟ وعملوا على أكل الأموال الطائلة بالباطل وكنزها بكميات رهيبة وبشكل ملحوظ جدا لا يخفى على أحد من الخاص والعام ، وعمدوا إلى غسلها في المشاريع الحالية . ما أحوجنا إلى قانون "من أين لك هذا" في ظل غياب الضمير المهني وإنعدام الوازع الديني والأخلاقي ، وما أحوجنا إلى هيئة تعمل على ملاحقتهم والإقتصاص منهم بمعاقبتهم وسحب أموالهم الحرام منهم وحرمانهم منها .
الناسخ رضوان الركراك

هناك تعليق واحد:

رضوان الركراك يقول...

ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي: أن رسول الله استعمل عاملاً فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال: يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهدي لي. فقال له: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيُهدى لك أم لا". ثم قام رسول الله عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدى له أم لا، فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرًا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلغت".
تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: "... ودخل عليَّ رسول الله والمرجل يفور بلحم فقال: "من أين لك هذا؟" قلت: أهدته لنا بريرة وتُصُدِّق به عليها. فقال: "هذا لبريرة صدقة ولنا هدية".
وعن سيدنا عمر بن الخطاب: عندما جمع رضي الله عنه الهدايا والاموال ووضعها في بيت المال فذهب احد الناس وقال على جزء من الهدايا هذا لي فقال له عمر بن الخطاب من اين لك هذا فقال له هذا لي فقال عمر بن الخطاب لو كنت في بيتك هل كانت هذه الامول والهدايا ستأتيك .
نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها (8548) حلاًّ طريفًا يحكي تجربة إحدى القرى الصغيرة في شمال إنجلترا، والتي كانت تقوم بإقامة مهرجان سنوي لمحاسبة رئيس المجلس البلدي للقرية، وأعضاء المجلس البلدي أيضًا، أما كيف تتم المحاسبة فعن طريق الميزان. فحول ميزان كبير يقام المهرجان، حيث يصعد رئيس المجلس ليتم وزنه ليس مقابل الذهب أو الفضة أو المجوهرات كما تفعل بعض الطوائف، ولكن بالرطل، فإذا اتضح أن وزن رئيس المجلس قد زاد عن يوم توليه المنصب زيادة غير عادية، فهذا يثبت أنه رجل لم يكن مخلصًا في عمله؛ لأنه كان يستخدم بطنه أكثر مما يستخدم عقله، ومعنى ذلك أنه لم يعط القرية ومشاكلها الاهتمام اللازم، ويمكن التجاوز في حدود خمسة أرطال فقط، أما أكثر من هذا فيتم عزل رئيس المجلس فورًا، ثم يتم وزن باقي أعضاء المجلس واحدًا واحدًا وسط تصفيق جماهير القرية وضجيجهم.