الاثنين، 27 أغسطس 2012
الخميس، 23 أغسطس 2012
العقوبة !
قد يتبادر إلى الذهن أننا هنا في هذه المقالة بصدد الحديث عن
قانون العقوبات ، أو عن نظرية العقوبة في القانون الجنائي ، أو عن العقوبات
المهنية للناسخ ، لكننا سنتكلم اليوم عن شيء إستنبطته من الفيسبوك هذه الأيام ، حيث
لاحظت أن العديد من الأصدقاء والزملاء يسترجعون ذكريات الطفولة بعرض صور للسكاكر والبسكويت
وحلويات "زمان" أيام الطفولة على صفحات حائطهم بالفيس بوك ، يتهكمون على
"شهيوات" حفلاتهم المدرسية ، يتذكرون ويستحضرون عبق الأيام الغابرة التي
إمتزج حلوها بمرها لتشكل لنا مزيج من الذكريات الرائعة و الجميلة ..
لكن ولا واحد يتذكر أو يذكرنا بالعقوبة التي كان يفرضها علينا
بعض المعلمين والأساتذة ، العقوبة التي كانوا يثقلون كاهلنا بها ، إما عقوبة لنا
على إهمال مراجعة الدروس ، أو رغبة منهم في إذلال وتطويع أنامل التلميذ على
الكتابة ، أو لإدخال المعلومة عنوة إلى ذهن التلميذ ، حيث كانوا يفرضون عليهم مثلا إعادة
كتابة قاعدة من قواعد اللغة العربية عشرات أو مئات المرات ، حتى يبيت التلميذ ليلته
الطويلة تلك ، يحلم بالغذ الأسود الذي ينتظره ، ويضرب الأخماس في الأسداس بما يمكن أن
يلاقيه من عقوبة على كفيه أو باطن قدميه بعصا المدرس إذا لم يتم كتابة العدد
المطلوب منه ، هذا طبعا مع المنع الكلي للإعانة وتدخل أي كان لمساعدة التلميذ المفروض
عليه العقوبة ، إذ كان الأستاذ يقوم بتفحص
الخطوط للتأكد من كونها كلها من نسج أصابع التلميذ المذكور ، وإلا سيكون جزاؤه
عسيرا ومضاعفا .
ومما يحز في النفس أن يدخل عليك أحدهم في مكتبك المتواضع
المهترئ ويقف مذهولا أمام ما تقوم به من عمل ، ويعلق عليك متمتما : ( هل هذا مكتب
العقوبة ؟ !
) ويستطرد إما متأثرا و متعاطفا وإما مستهزئا : ( كان الله في
عونكم ) . حتى أصبح السادة النساخ يشمئزون من كثرة مثل تلك التعليقات الخاوية ،
ويتحرزون من مثل تلك النظرات المشفقة ، التي لا تزيد إلا في الطين بلة .
هناك مثل عربي يقول : " قطرة الماء تحفر في الصخر ، ليس
بالعنف ولكن بالتكرار " ، حاشاكم الله ، لم أكن لأدرج هذا المثل لولا سياق
المقال الذي جرفني لأستوضح معناه المطابق لما يحصل مع السادة النساخ أعزهم الله ، ولم أكن
لأكتب من هذا القبيل إلا من باب التفكه أعز الله قدركم ، فبالممارسة والإعتياد
أصبح السادة النساخ يحفظون عن ظهر قلب جميع أنواع الرسوم العدلية التي يقومون
بنسخها ، بل ويستطيعون التمييز بين أسلوب كل عدل على حدة ، وأخطاء كل على حدة ، وخطوط
كل على حدة ، مع فارق بسيط عن عقوبة التلميذ الذي ينهي عقوبته بكتابة التكرار
المطلوب منه وكفى ، أما الناسخ فيقوم يوميا بأداء العقوبة باعداد غير محدودة إلى
أجل غير مسمى وإلى ما لانهاية . ويشتركان معا في قضية واحدة ، ألا وهي قضية المنع الكلي لإختلاف الخطوط
وتضاربها مع خط الناسخ ، إذ يمنع عليه منعا باتا الإستعانة بأحد أفراد عائلته أو
أصدقائه أو المقربين منه في أعمال النساخة ، فجاء في الفصل 11 من قانون 49.00 المتعلق بتنظيم
مهنة النساخة : أن يضمن بخط يده وبمداد أسود غير قابل للمحو الشهادة بأكملها طبق
أصلها..
الناسخ
رضوان الركراك
الأربعاء، 22 أغسطس 2012
" أنا أنسخ .. إذن أنا موجود "
عندما صاغ أشهر فلاسفة القرن السابع عشر صاحب كتاب "خطاب
في المنهج " الفيلسوف الهولندي
" روني ديكارت " مقولته الشهيرة " أنا أفكر.. إذا أنا موجود "
، لم يظن مطلقا أن عملية التفكير هذه قد تصاب بالشلل عند قوم يأتون من بعده يطلق
عليهم إسم النساخ القضائيين ، ولم يخطر بباله أن نظريته ستصل يوما للسادة النساخ
يستدلون بها عكسيا على وجودهم عندما ينهمكون في عملية النسخ .
فإذا كان ديكارت مشهورا بفلسفته التشكيكية وتأملاته الميتافيزيقية
، وتغنيه بالفكر والعقل ، وإعماله ملكة الفكر المتجلية بوضوح في قولته الشهيرة ،
لم يكن يعلم بأن هناك من المهن من هي أكبر عدو لملكة الفكر وأكبر معطل لعمل العقل
ومبطئ للذهن ، فعندما يندس الناسخ وسط الكنانيش المكدسة المتراكمة في أرشيف مغبر ،
وينغمس بين الاوراق المبعثرة ينسخ حرفيا ما هو موجود دون زيادة ولا نقصان ، فإنه
يعطل عقله عن عملية التفكير ويعوده على الخمول والإستكانة إلى الكسل ، فيصبح الذهن
مع مرور الوقت جامدا بدون ناتج ولا إنتاج ، وحتى لو أراد تجاوز الأمر فإنه لا يبقى
له وقت ولا مزاج للدراسة والتمحيص ، وكيف يفعل المسكين وهو يقضي يومه يفك طلاسيم
الخطوط المستعصية ، ويضمن الرسوم المطولة ، وينسخ العقود المستعجلة ، ويبحث في
غيابات الجب وبحر الظلمات عن نسخة بلا مراجع ولا تاريخ ، ناهيك عن قضاء اليوم
مشحون في جو مكهرب ، وفضاء مضطرب متوتر ، ومشاحنات مع العدول ومناوشات مع
المواطنين .
تستحضرني هنا مقالة كنت قرأتها عن الرياضة الفكرية ، حيث اثبث
مجموعة من العلماء انه بما ان عضلات الجسم تحتاج للتمارين الرياضية لئلا تصاب
بالأعطاب والأمراض ، فكذلك العقل والذهن يحتاج إلى الرياضة الفكرية بصفة منتظمة
لحفظه ووقايته من الخمول والتلف ، والمخيف في الأمر أن خلايا المخ إذا أتلف بعضها فإنه لا
يعوض مثل سائر الخلايا .. وهكذا تخسر شيئا فشيئا الكثير من الخلايا بدون تعويض ،
كما أثبثت الدراسة أنه بالإضافة للرياضة الفكرية فإن الصيام أيضا له دور فعال في
الحد من هذه المعضلة ، وقانا الله وإياكم من شرها .
هذا بخصوص " أنا أفكر " ، أما بخصوص " أنا
موجود " فلله الحمد السادة النساخ لم يتوانوا عن إثبات وجودهم بشتى الوسائل ،
والتعريف بالمهنة في كل المحافل النضالية ، وطرق كل الأبواب الموصدة ، وتجشم كل
الصعاب في سبيل قضية النساخة . وزيادة على ذلك نجد مستويات مشرفة عند السادة
النساخ ، بحيث هناك من حصل على الماستر وهناك من حصل على الدكتوراه ، وهناك من
يواضبون على أعمال أدبية وفنية. ومن يكرسون حياتهم لأعمال إنسانية وإجتماعية .
الناسخ رضوان الركراك
الأحد، 19 أغسطس 2012
عيد فطر سعيد
بالأمس هنأناكم بالشهر الفضيل .. وها نحن أولاء نهنئكم بعيد
الفطر السعيد أدخله الله علينا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء باليمن والبركة ، فعندما تحل المناسبات تتدفق من القلب أصدق العبارات تجديدا للمحبة
وإحياء للمودة ، وبهذه المناسبة السعيدة تتمنى لكم الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين
بالمغرب عيدا مباركا سعيدا وعساكم من عواده ، وكل عام وأنتم بألف خير .
وبقلب محب ندعو الله لكم فنقول : نسأل الله أن يكتب لكم الأجر
والثواب ويعتقكم من النار ، تقبل الله منا ومنكم وجعلنا ممن ينظر إليهم الرحمان
فيقول " إذهبوا مغفور لكم " ، فليحفظ الله الود بيننا ويجعل الجنة دارنا
ويبارك لنا بالعيد السعيد ، نسأل من أوجد العيد وطوى الشهر الفقيد أن يمدكم بعمر
مديد ويجعل حياتكم عيد سعيد .
الناسخ رضوان الركراك
الجمعة، 17 أغسطس 2012
هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية
نزولا عند رغبة العديد من نساخنا الكرام ، وإستجابة
للإستفسارات والأسئلة الكثيرة التي يتوصل بها مشرف الموقع ، حول حيثيات الزيارة الشخصية التي قام بها معالي وزير العدل والحريات ( السيد مصطفى الرميد ) لمكتب السادة النساخ بطنجة ،
نسطر هنا بعض التفاصيل بشأن هذا الموضوع ، ونزف إليكم بهذا النبأ السار : حيث
قام معاليه بزيارة مفاجئة لمكتب السادة النساخ التابعين للمحكمة الإبتدائية بطنجة
قسم قضاء الأسرة – شعبة التوثيق – في إطار زياراته الميدانية لأقاليم شمال المملكة
، إبان تدشينه للمحكمة الإبتدائية الجديدة بمدينة العرائش ، وبعد وقوفه بين المكاتب
الضيقة للسادة النساخ ، قام سيادته بكل تواضع وبساطة ( ومجردا من الحراسة
والبروتوكولات المعهودة ) يسألهم عن أحوالهم الشخصية ، ويعبر عن إستيائه ويفصح عن إمتعاضه من
سوء أوضاع النساخ وتردي خدمة النساخة ، خصوصا في العصر الراهن عصر السرعة ، والذي
يقتضي الإنفتاح على الأرشفة الرقمية والإلكترونية ، والتدبير المعلوماتي للوثائق
الإدارية ، وألقى عليهم في خضم حديثه سؤالا مباشرا عن خيار الإدماج ، ومستطلعا لرأي نساخ طنجة
حول الموضوع ، فأجابه الجميع بصوت واحد أي
نعم خيارنا هو الإدماج .. فابتسم في وجوههم وأردف قائلا : حسنا
ذلك هو إقتراحي منذ البداية .. ووعد بتبني الملف للنهاية ، معربا عن إلمامه بقضية النساخ
وبمطالبهم وبوضعيتهم وطموحاتهم .
وفي إفتتاحه للمحكمة الإبتدائية الجديدة بالعرائش ( مرفوقا
بالوفد الرسمي ) أبدى أسفه وألمه على الوضعية التي تشهدها محكمة طنجة ، وتمنى لها
الإفراج عن مشروع المحكمة الجديدة في أقرب الآجال على غرار محكمة العرائش الجديدة
، مستدلا بأنه العبرة ليست بكثرة التجهيزات والوسائل ، وإنما العبرة بالمسؤول الجيد الذي يعي مسؤولية تدبير
تلك الوسائل والتجهيزات ، فقد تضع كل التجهيزات الضرورية تحت إمرة الموظف اللامسؤول فلا
ينتج منها شيء يذكر ، بل قد يهدرها ويعطلها على حد قول سيادته ( وللمزيد من
المعلومات المرجو زيارة الفيديوهات المنشورة على اليوتيوب ) .
وأكد سيادته على إيمانه القوي بأن إصلاح منضومة القضاء والعدل
يبدأ وينطلق من ضرورة توفير الفضاء الملائم وتهييئ المسؤول الملائم ، فبدونهما لا يكون ولا يكتمل الإصلاح . وتجدر الإشارة أنه كان ودودا جدا مع السادة النساخ وهم يلتقطون معه الصور التذكارية التي رحب بها سيادته بطيبوبة شديدة وبصدر رحب .
وختاما نأسف إخواني النساخ على هذا التأخر في النشر لأن سياسة
الموقع كانت تقتضي تفادي الأخبار المحلية على حساب الأخبار الوطنية ، إلا أنه بعد
كثرة الرسائل والإستفسارات الواردة على الموقع ، وبعد التشاور إرتأينا نشر الموضوع
لكونه يكتسي بعضا من الصبغة العمومية والوطنية .
الناسخ رضوان الركراك
الأربعاء، 15 أغسطس 2012
الحرب الباردة
الحرب الباردة هي ذلك الصراع – الذي لم يصل لحد إستعمال السلاح – بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية . وظهر هذا الصراع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية نظرا لعدة أسباب أهمها الإختلاف الاديولوجي بين الشيوعية والرأسمالية ، وتصادم مصالح المعسكرين في كثير من القضايا ، وظهور التسابق نحو التسلح وتطوره ، وإستمرار الصراع الطبقي بين بقية دول العالم ، ثم التسابق على عقد التحالفات خارج المعسكر ، وتطلع العملاقين للسيطرة على الآخر والهيمنة على العالم.
تجلت هذه الحرب الباردة في عقد الأحلاف العسكرية مثل حلف الشمال الأطلسي (حلف الناتو) وحلف جنوب شرق آسيا (حلف بغداد وحلف وارسو) ، وفي المساعدات الإقتصادية والعسكرية لعدة دول خصوصا المتضررة من الحرب ، كان يقدمها المعسكر الشرقي لتشجيع المد الشيوعي ، عكس المعسكر الغربي الذي كان لا يتوانى عن تقديم ضعف هذه المساعدات لمحاربة هذا المد .
كما تجلت في الدعاية الاعلامية وما رافقها من تسخير لسلاح الجوسسة وإثارة الحروب الإقليمية والانقلابات العسكرية ، وإنتهاج سياسة المشاريع (كمشروع مارشال) وسياسة ملء الفراغ ، وسياسة الإحتواء وسياسة توازن الرعب ، وسياسة التكتل وسياسة القطبية الثنائية . وإنتهت الحرب الباردة عمليا بسقوط حدار برلين 1989 ورسميا بإنعقاد مؤتمر باريس 1990والإعلان الرسمي عن نهاية هذه الحرب 1991 التي دامت أكثر من نصف قرن تطورت على حسابها دول أخرى كالصين واليابان ، وخلفت لنا مبدأ التعايش السلمي بين الكتلتين الذي لا زال مستمرا لحد الآن . هذا المبدأ الذي نعيش (نحن كنساخ) وفق مقتضياته بحكم الإحتكاك اليومي بين المهنتين (مهنة النساخة وخطة العدالة) لكون كلتاهما تكمل الآخرى وكلتاهما تفتقر للأخرى ، وقد تتشابه الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي مع الحرب الباردة بين النساخ وبعض العدول في نقاط عديدة ، إلا مع إختلاف بسيط وهو أن الحرب الأولى قد إنتهت بعقد مؤتمر باريس ، أما الحرب الباردة عند النساخ فلا زالت مستمرة تتأجج بين الفينة والأخرى عندما تجد من يشعل فتيلها وينشب حريقها من طرف البعض .
فإذا كانت الحرب الباردة قد إنتهت بين الدول المذكورة فإنها على ما يبدو لازالت مستمرة في بعض مكاتبنا فتارة نجدها تشتعل بمكتب النساخ بالناظور وتارة في مكتب النساخ بفاس وتارة بشفشاون .. ناهيك عن مناوشات إقليمية في العديد من الأقاليم بين بعض العدول والسادة النساخ – مما لا يستسيغه الكثير من عقلاء الجانبين - لأتفه الأسباب التي غفل عنها المشرع ولم يفصل فيها فترك فصولها مبهمة تحتمل التأويل يتضارب عليها الطرفان ، كمشكل الصفحتين ومشكل تفريخ النظائر ، ومشكل نسخة العدل ، ومشكل التوقيعات ومشكل التماطل في الأداء ، ومشكل الثلثين ومشكل الدمغة المزعومة ، إلى أن تم إختراع كناش التداول المذموم من طرف هيئة العدول الذين يحاولون عبثا فرضه على السادة النساخ (والطريف في الأمر ان الأغلبية الساحقة من العدول ترفض بتاتا هذا الكناش الغاشم) والذي يعد بحق تعدي سافر على إختصاصات الناسخ وتدخل في أسرار العدول . فهل سنحتكم للقانون الداخلي للعدول أم للقوانين المنظمة للمهنتين ؟ وهل سندع الأهواء والقرارات الفردية للبعض تشعل نار عشواء بين المهنتين ، أم نسمع لآراء الجميع ونرجح الأغلبية ؟ فيا ريت لو تنتهي الحرب الباردة بيننا بقمة مهنية ، أو بمؤتمر مشترك بين قيادي التمثيليتين لوضع حد لهذا الصراع المشؤوم .
الناسخ رضوان الركراك
الجمعة، 10 أغسطس 2012
شبح الإندثار
عاصرنا مهن عديدة كانت مزدهرة ومنتعشة ، مهن نشأنا معها
وتذوقنا طعمها وأريجها ، حتى أصبحنا معتادين عليها وشعرنا أنه لا يمكننا الإستغناء
عنها ، مهن مغربية عريقة إرتبطت بثراثنا الشامخ العتيد ، ولكنها لم تعد بنفس المشهد الذي
ذاع صيته ، ولم تعد بنفس الرواج وبنفس العرض والطلب ، وبعد أن تشبعنا بها وتوارثناها
أبا عن جد ها نحن أولاء نشاهد إحتضارها ، ونتحسر الآن على بوادر الإنقراض التي
باتت تهددها ، مهن غطتها التطورات التكنولوجية والتغيرات السلوكية والحضارية
للإنسان .
مهن تحمل تسميات عديدة وتشمل مجالات واسعة ، شاءت الأقدار أن فرضت
عليها المكننة والثورة الإلكترونية الإنكماش على نفسها والإكتفاء بالنذر اليسير من
روادها وأصحابها ممن تستهويهم الأصالة والعراقة ، ويجد ممتهنوها صعوبة في الإبقاء
عليها وفي سد رمقهم من محدودية مداخيلها .
نجد شريحة واسعة من الناس تتحسر على تلك المهن التي عايشتها ردها
من الزمن وتربت بين كنفاتها ، وتبكي عليها وهي تنظر عن كثب وتحضر اللحظات الأخيرة
من حياتها ، إلا أن أقليات من الناس تجد في إندثارها راحة لهم من إزعاجها ، لكونها
لم تعد تواكب العصر وتشكل وصمة عار بالنسبة لهم فجاء الوقت للتخلص منها ،
واستبدالها بمهن أكثر عصرنة وأكثر مسايرة لركب الحضارة .
مهن لا تمت بصلة لمهنتنا وعملنا ، لكن يمكن ملاحظة أوجه الإختلاف والتشابه فيما بينهما ، ماذا لو أمعنا النظر في مهنتنا
" النساخة " المحترمة وحاولنا ربطها بتلك المهن وبأولئك الناس ، أية
خلاصة سنخرج بها ؟ لا شك أن كل من سيقرأ السؤال سيجيب في قرار نفسه على طريقة
المثل الشعبي القائل : (بالماء والمكـنسة حتى باب البحر) خصوصا نساخنا الجدد الذين
فوجؤوا بعد ولوجهم المعمعة ، وصدموا من هول المفاجأة ، تخيل معي أخي الناسخ (واستسمحكم
عذرا على هذا التشبيه) لو أنك إشتهيت بطيخة من الحجم الكبير واشتريتها تناهز العشر
كيلوغرامات وحملتها على كتفك مسرور بها ، ودلفت بها وسط أزقة حومتك الشعبية وتعبر
بها الدروب وسط نظرات السكان الثاقبة ، وصعدت بها عشرات الدروج والسلالم تمني نفسك
بعدة شطور باردة من لبها الأحمر الطازج ، وبعد أن قطعتها وتذوقت أول قضمة منها....وللأسف...
ماذا سيكون شعورك ؟ أكيد ستخول لك نفسك رميها من أعلى دور..أو تهوي بها على رأس
بائعها لتشفي غليلك .. ذاك هو إحساس أغلبية النساخ (حاشى الله مقامكم من هذا
التشبيه) إحساس بخيبة أمل وإحساس بالتورط ، وإحساس ممزوج بالندم مع الشعور بالذنب ،
وقلة الحيلة وقصر اليد وضيق الحال .
تتشابه مهنتنا مع المهن السالفة بكونهما كلاهما آخذين نفس
منحنى الزوال والأفول ، وكلتاهما آيلة للسقوط والذهاب مع الريح ، إلا أنهما يختلفان في كون الأولى يتحسر عليها
الأغلبية بإستثناء أقلية قليلة ، أما الثانية - وهي المعنية بالأمر- فالكل يتمنى رحيلها وزوالها
، ويصرون على تعويضها بالإدماج ، إلا أقلية قليلة (ممن إغتنوا من ورائها وكدسوا ما
تيسر من خيراتها) ، هذا هو الإختلاف البسيط . كل النساخ يطالبون بالإدماج ، وسبق
أن نظموا وقفات وألفوا شعارات ، بغية تحقيق مطلبهم هذا ، إلى أن تم قبول طلبهم من
طرف الوزارة الوصية ، وباقرار من السيد وزير العدل في إطار مسلسل الحوار لإصلاح
منظومة القضاء ، وبات الأمر قاب قوسين أو أدنى ، وظهرت بوادر الإدماج ، فسارع بعض
ممن كان يعارض بالأمس مسألة الإدماج – أو ممن كان تائها بين الإبقاء والإلغاء - يستفسر
ويستوضح عندما تجلى له الأمر في الأفق وتأكد أن المسألة جدية لا غبار عليها.
خلاصة القول أنه على الرغم من عراقة مهنة النساخة وتعلق
ممارسيها بتلابيبها ، إلا أنهم هم من يطالبون بزوالها وإلغائها ويشددون على تعويضها
بخير منها ، تكون مسايرة للعصر ومواكبة للحداثة ، وللعصر الرقمي والمكننة ، وتكون أكثر إيجابية في خدمة الصالح العام ،
وتقريب الإدارة من المواطنين ، تحقيقا للإرادة الملكية السامية .
الناسخ رضوان الركراك
الأربعاء، 8 أغسطس 2012
القضائيين بالمغرب
إستنكار
أما
بعــــد :
على إثر التهجم الخطير والإساءة التي تعرض
لها نساخنا الأفاضل بالمحكمة الإبتدائية بالناظور، من طرف أحد العدول الأسبوع
الفارط ، بعد إقدام الأخير على إنتهاك حرمة مكتب النساخ بتصرفات لا مسؤولة ، وتنم
عن نية مبيتة للإساءة بإخواننا النساخ ، حيث عمد إلى إهانة الزميل عبد المجيد
العادك – ناسخ ومستشار المكتب الجهوي لجهة الحسيمة الناظور – وإنهال عليه بوابل من
السب والشتم ، كما أطلق يده الآثمة تدنس جسد الناسخ المحترم بالضرب بعد مشاداة
كلامية جارحة ، وكاد الأمر يتحول إلى مأساة لولا تدخل الموجودين لإحتواء الأمر
وكتم غيظ الناسخ الذي حاول الدفاع عن نفسه دون جدوى أمام هيجان العدل المذكور ، الذي
ما فتئ يزبد ويرغي إلى أن أخرجوه بصعوبة من المكان لما أثاره من هلع وضجة ، وعطل
سير العمل لأزيد من نصف يوم ضاعت فيها حقوق المواطنين . لا لشيء سوى أن نساخ
الناظور رفضوا التعامل بكناش التداول المستحدث المزعوم ورفضوا الإنصياع لقانونهم
الداخلي الوضعي الغاشم . مع العلم أن إخواننا نساخ الناظور محترمون لقانون النساخة وخطة العدالة ، ومواظبون على التعامل
بالدمغة المفروضة عليهم ، وملتزمين بالآجال القانونية فيما يخص التضمين وإستخراج
النسخ .
لهذا وإعتبارا لما يفرضه أولا الواجب في
نصرة المظلوم وثانيا لما يفرضه الإنتماء لرابطتنا من التضامن والتعاضد فإننا بالرابطة
الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب نسجل ونؤكد ما يلي :
?
أولا : إدانتنا
وإستنكارنا للتصرفات اللامسؤولة والتشهير والتهجم الخطير الذي تعرض له الزملاء
نساخنا الكرام بجهة الناظور .
?
ثانيا : نسجل
تضامننا الفعلي والمطلق مع السادة النساخ الأفاضل لما تعرضوا له من إهانة وخدش
الكرامة.
?
ثالثا : نهيب
بالسادة المسؤولين القضائيين والإداريين بإتخاذ ما يلزم بحكم ما تعرض له الزملاء
داخل المحكمة الإبتدائية بالناظور- قسم قضاء الأسرة- وفي وقت العمل.
?
رابعا : أننا
وجهنا تقريرا مفصلا لما حصل بقسم التوثيق إلى النيابة العامة المختصة مرفقا
بإفادات النساخ والشهود لإتخاذ ما تراه مناسبا .
?
خامسا : نؤكد عزمنا على التضامن مع زملائنا
الكرام ضد أي إعتداء خارجي ، لآخر المطاف وحتى آخر رمق .
?
سادسا : مستعدين لخوض أي شكل نضالي ضد أي تهديد
يزعزع إستقرار السادة النساخ بالناظور أرض الشرفاء وأرض المقاومة والبسالة.
?
سابعا : متأهبين للتصعيد إن إقتضى الحال أمام أي خرق
سافر للقوانين المنظمة للمهنة ، وضد أي كيان كان صونا لكرامة الناسخ وإحقاقا للحق وإنصافا
للضعيف .
?
ثامنا : سنطرق
جميع الأبواب ونعتلي جميع الأسوار، لإيصال صوت الناسخ المظلوم إلى جميع الهيئات
الحكومية والقضائية ، والفعاليات الإنسانية والحقوقية..
ودامت الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين
بالمغرب ناصرة للمظلوم وناصحة للظالم
الموقع الرسمي للرابطة الوطنية للنساخ القضائيين
بالمغرب
السبت، 4 أغسطس 2012
" الجندي المجهول "
أصبحنا نجد في العديد من عواصم العالم ثماثيل وأضرحة أو نصب
تذكارية تحمل إسم " الجندي المجهول " يتوافد عليها الزوار من كل صوب
وحدب ويؤمها حجاجها يرمون على شاهدها أكاليل الزهور والورود .. ولكن ماذا نعرف
عنها وما علاقتها بالناسخ البسيط ؟ ثماثيل " الجندي المجهول " هي نصب أو
أضرحة تخلد أمجاد الجنود الذي ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن ، وبدأ الأمر بها كتقليد
فعلي بعد أحداث الحرب العالمية الأولى والتي بلغ عدد ضحاياها وجنودها - الذين لم
يكن بالإمكان التعرف عليهم وعلى هويتهم - عددا هائلا .. ويعتقد أن بداية هذا التقليد
أخذت طريقها من تأسيس ضريح الجندي المجهول تحت ما يعرف بقوس النصر في باريس عام
1920 ، إلا أنه يقال أن الدانمارك كانت سباقة إلى إقامة ضريح للجندي المجهول في
1858 في فريدريكا بعد حرب سكيلسفيغ الأولى ، ثم ظهر بعدها في 1866 ضريح للجندي
المجهول في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحرب الأهلية هناك بين الشمال
والجنوب .
ومنذ ذاك الحين والدول تعمد إلى إنشاء وبناء الأضرحة والنصب
المذكورة تكريما لأرواح من ضحوا في سبيل القضية وفي سبيل إعلاء راية الحق .
وتداول الناس كلمة " الجندي المجهول " كذلك للتعبير
عن رجال الخفاء الذين يعيشون حياة بسيطة بعيدة عن الأنظار ولكنهم يقومون أو قاموا
بأعمال عظيمة تضاهي تلك التي يقوم بها نظائرهم في الجبهات . وأصبحت الكلمة في
الموروث الشعبي لها دلالات بعيدة عن الحروب والغارات وقريبة من مفهوم التضحية والبذل
... حتى بات كل من يقوم بعمل جليل ويتوارى عن الأنظار ، يحترم ويقدر حتى يسمى عند الناس بالجندي
المجهول .
ولا يهمنا كنساخ من الكلمة سوى مفهومها النضالي ، نمجد به
بدورنا نساخنا الأبرار قديما وحديثا ، نساخ نذكرهم على الأقل إكراما لعطاءاتهم ، ونكتب
عنهم ولو القليل – آملين أن نوفيهم قدرهم – تخليدا لنضالهم ، ليبقى مسجلا على صفحات
تاريخ النساخة ، نساخ لم تكن تهمهم الأضواء ولا أن يكون إسمهم مشهورا ومتداولا على
كل لسان ، بقدر ما كان إهتمامهم منصبا على إنجاح المسار النضالي ، وإنجاح القضية
والسير قدما بالمهنة إلى ما يبتغيه ويرضاه كل النساخ قاطبة من الشمال إلى الجنوب .
نساخ لا يبالي أحد بقيمتهم مع أنهم تألقوا في سماء النساخة ببذلهم الغالي والنفيس
فداء للمهنة ، كل على شاكلته وكل حسب جهده وقدرته تغلبوا بها على القيود التي كبلت
المهنة سنوات .. هؤلاء هم رجال ما وراء الكواليس يستحقون أن نطلق عليهم إسم جنود
الخفاء وكذلك إسم " الجندي المجهول " عن جدارة وإستحقاق .
فتحية إجلال وإكبار لكل واحد منهم – دون ذكر أسمائهم رضوخا
لتواضعهم الشديد – فقد جادت علينا كل مدينة وكل جهة بأجود ما عندها من نساخ شكلوا
لنا ثلة من أعظم نساخنا عطاء وكفاحا ، دون أن ننسى مؤسسي الرابطة الوطنية للنساخ
القضائيين بالمغرب بشكلها القديم والجديد ، بعناصرها وأعضائها وأطرها القدماء
والجدد ممن تعاقبوا على تسييرها . وتحية تقدير وإحترام لأعضاء الرابطة الحاليين بدءا
من الرئيس والكاتب العام وأمين المال وإنتهاء بآخر مستشار ، نؤيدهم ونشد على
أيديهم بحرارة ، وتحية إخلاص للجينة النساخ المكلفة بالحوار الوطني حول إصلاح
منضومة القضاء ، وتحية لكل من ساند النساخ من قريب أو بعيد . كل منهم له مكانته
الخاصة في قلوب النساخ كافة لافرق بين ألوانهم وألسنتهم وعرقهم إلا بمقدار ما
قدموه من تضحيات جسيمة .
الناسخ رضوان الركراك
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)