الخميس، 23 أغسطس 2012

العقوبة !


قد يتبادر إلى الذهن أننا هنا في هذه المقالة بصدد الحديث عن قانون العقوبات ، أو عن نظرية العقوبة في القانون الجنائي ، أو عن العقوبات المهنية للناسخ ، لكننا سنتكلم اليوم عن شيء إستنبطته من الفيسبوك هذه الأيام ، حيث لاحظت أن العديد من الأصدقاء والزملاء يسترجعون ذكريات الطفولة بعرض صور للسكاكر والبسكويت وحلويات "زمان" أيام الطفولة على صفحات حائطهم بالفيس بوك ، يتهكمون على "شهيوات" حفلاتهم المدرسية ، يتذكرون ويستحضرون عبق الأيام الغابرة التي إمتزج حلوها بمرها لتشكل لنا مزيج من الذكريات الرائعة و الجميلة ..
لكن ولا واحد يتذكر أو يذكرنا بالعقوبة التي كان يفرضها علينا بعض المعلمين والأساتذة ، العقوبة التي كانوا يثقلون كاهلنا بها ، إما عقوبة لنا على إهمال مراجعة الدروس ، أو رغبة منهم في إذلال وتطويع أنامل التلميذ على الكتابة ، أو لإدخال المعلومة عنوة إلى ذهن التلميذ ، حيث كانوا يفرضون عليهم مثلا إعادة كتابة قاعدة من قواعد اللغة العربية عشرات أو مئات المرات ، حتى يبيت التلميذ ليلته الطويلة تلك ، يحلم بالغذ الأسود الذي ينتظره ، ويضرب الأخماس في الأسداس بما يمكن أن يلاقيه من عقوبة على كفيه أو باطن قدميه بعصا المدرس إذا لم يتم كتابة العدد المطلوب منه ، هذا طبعا مع المنع الكلي للإعانة وتدخل أي كان لمساعدة التلميذ المفروض عليه العقوبة  ، إذ كان الأستاذ يقوم بتفحص الخطوط للتأكد من كونها كلها من نسج أصابع التلميذ المذكور ، وإلا سيكون جزاؤه عسيرا ومضاعفا .
ومما يحز في النفس أن يدخل عليك أحدهم في مكتبك المتواضع المهترئ ويقف مذهولا أمام ما تقوم به من عمل ، ويعلق عليك متمتما : ( هل هذا مكتب العقوبة ؟ ! ) ويستطرد إما متأثرا و متعاطفا وإما مستهزئا : ( كان الله في عونكم ) . حتى أصبح السادة النساخ يشمئزون من كثرة مثل تلك التعليقات الخاوية ، ويتحرزون من مثل تلك النظرات المشفقة ، التي لا تزيد إلا في الطين بلة .
هناك مثل عربي يقول : " قطرة الماء تحفر في الصخر ، ليس بالعنف ولكن بالتكرار " ، حاشاكم الله ، لم أكن لأدرج هذا المثل لولا سياق المقال الذي جرفني لأستوضح معناه المطابق لما يحصل مع السادة النساخ أعزهم الله ، ولم أكن لأكتب من هذا القبيل إلا من باب التفكه أعز الله قدركم ، فبالممارسة والإعتياد أصبح السادة النساخ يحفظون عن ظهر قلب جميع أنواع الرسوم العدلية التي يقومون بنسخها ، بل ويستطيعون التمييز بين أسلوب كل عدل على حدة ، وأخطاء كل على حدة ، وخطوط كل على حدة ، مع فارق بسيط عن عقوبة التلميذ الذي ينهي عقوبته بكتابة التكرار المطلوب منه وكفى ، أما الناسخ فيقوم يوميا بأداء العقوبة باعداد غير محدودة إلى أجل غير مسمى وإلى ما لانهاية . ويشتركان معا في قضية واحدة ، ألا وهي قضية المنع الكلي لإختلاف الخطوط وتضاربها مع خط الناسخ ، إذ يمنع عليه منعا باتا الإستعانة بأحد أفراد عائلته أو أصدقائه أو المقربين منه في أعمال النساخة ،  فجاء في الفصل 11 من قانون 49.00 المتعلق بتنظيم مهنة النساخة : أن يضمن بخط يده وبمداد أسود غير قابل للمحو الشهادة بأكملها طبق أصلها..
الناسخ رضوان الركراك

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

صحيح . نسمع هذه التعليقات يوميا من المواطنين والمحامين . وحتى من أصدقائنا الذين يزوروننا في مقر عملنا .أصبحنا نخجل من أنفسنا ومن عملنا .

سعيد خريبكة يقول...

دائما كنت اقول واردد بان النساخة ليست بمهنة بل هي عقوبة قاتلة لكل اعضاء الجسم من القلب والراس والعينين و.....و........لا تليق بنا للاسف .نتمنى من الله العزيز ان يتحقق حلمنا في ادماجنا .امين يارب العالمين

غير معرف يقول...

أي مهنة هذه التي يستطيع تلميذ من الحضانة أو التحضيري القيام بها. إنها مهنة النقيل ولا شيء غير النقيل ، يبدع فيها من تعود على النقيل أيام المدرسة.

غير معرف يقول...

بل يبدع فيها من تعود على الخواظ والتحراميات ، والعياذ بالله .

غير معرف يقول...

هي مهنة الكلل والملل والفشل والزلل والعلل الا أ ن يأتيك الأجل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فاللهم فرج الهم عن المهمومين والكرب عن المكروبين آمين يارب العالمين .

غير معرف يقول...

عندي طفل صغير دائما يتحداني بأنه يستطيع أن ينسخ أحسن مني ، وعندما أنهره يذهب مغاضبا ويقول لي : وهذي خدمة بعدا ، الذري ديال الروض ويعرف يديرها ، آشنو فيها كاع غير النقيل .

غير معرف يقول...

من يخجل من هذه المهنة فليتركها غز نفسك يعزك الناس

غير معرف يقول...

انتم تكرهون هده المهنة وتستهزؤن منها وتشربون منها وتلبسون منها والان تحتقرونها وانها ناقلة ويمكن لاي تلميد ابتدائي مزاولتها مع العلم انكم تتوفرون عل شواهد عليا لمادا تقدمتم لها هل انتم بشواهدكم قراتم عليها سابقا قبل المبارة او وقع لكم كما وقع لدالك الطفل الناقل الدي استفزتم به النساخ وفي الاخير من لم يشكر نعمت الله تعرض لزوالها.

غير معرف يقول...

ذكرتموني بما يحصل لي مع العائلة ومعارفي وأنسبائي عندما أحاول مرارا وتكرارا شرح المهنة لهم ، فبعد جهد جهيد من الشرح يقولون لي : إذن هي مهنة النقيل وصافي .
عندما ذهبت لأتزوج أول مرة سألوني عن عملي فأجبتهم مهنتي كذا وكذا فقضينا كل تلك الأمسية نتحدث عن النساخة والتضمين ، وفي النهاية قالوا لي إذن هي مهنة سهلة جدا فإعطي لأخ خطيبتك الصغير يضمن معك والربح فالنص