الأربعاء، 22 أغسطس 2012

" أنا أنسخ .. إذن أنا موجود "


عندما صاغ أشهر فلاسفة القرن السابع عشر صاحب كتاب "خطاب في المنهج "  الفيلسوف الهولندي " روني ديكارت " مقولته الشهيرة " أنا أفكر.. إذا أنا موجود " ، لم يظن مطلقا أن عملية التفكير هذه قد تصاب بالشلل عند قوم يأتون من بعده يطلق عليهم إسم النساخ القضائيين ، ولم يخطر بباله أن نظريته ستصل يوما للسادة النساخ يستدلون بها عكسيا على وجودهم عندما ينهمكون في عملية النسخ .
فإذا كان ديكارت مشهورا بفلسفته التشكيكية وتأملاته الميتافيزيقية ، وتغنيه بالفكر والعقل ، وإعماله ملكة الفكر المتجلية بوضوح في قولته الشهيرة ، لم يكن يعلم بأن هناك من المهن من هي أكبر عدو لملكة الفكر وأكبر معطل لعمل العقل ومبطئ للذهن ، فعندما يندس الناسخ وسط الكنانيش المكدسة المتراكمة في أرشيف مغبر ، وينغمس بين الاوراق المبعثرة ينسخ حرفيا ما هو موجود دون زيادة ولا نقصان ، فإنه يعطل عقله عن عملية التفكير ويعوده على الخمول والإستكانة إلى الكسل ، فيصبح الذهن مع مرور الوقت جامدا بدون ناتج ولا إنتاج ، وحتى لو أراد تجاوز الأمر فإنه لا يبقى له وقت ولا مزاج للدراسة والتمحيص ، وكيف يفعل المسكين وهو يقضي يومه يفك طلاسيم الخطوط المستعصية ، ويضمن الرسوم المطولة ، وينسخ العقود المستعجلة ، ويبحث في غيابات الجب وبحر الظلمات عن نسخة بلا مراجع ولا تاريخ ، ناهيك عن قضاء اليوم مشحون في جو مكهرب ، وفضاء مضطرب متوتر ، ومشاحنات مع العدول ومناوشات مع المواطنين .
تستحضرني هنا مقالة كنت قرأتها عن الرياضة الفكرية ، حيث اثبث مجموعة من العلماء انه بما ان عضلات الجسم تحتاج للتمارين الرياضية لئلا تصاب بالأعطاب والأمراض ، فكذلك العقل والذهن يحتاج إلى الرياضة الفكرية بصفة منتظمة لحفظه ووقايته من الخمول والتلف ، والمخيف في الأمر أن خلايا المخ إذا أتلف بعضها فإنه لا يعوض مثل سائر الخلايا .. وهكذا تخسر شيئا فشيئا الكثير من الخلايا بدون تعويض ، كما أثبثت الدراسة أنه بالإضافة للرياضة الفكرية فإن الصيام أيضا له دور فعال في الحد من هذه المعضلة ، وقانا الله وإياكم من شرها .
هذا بخصوص " أنا أفكر " ، أما بخصوص " أنا موجود " فلله الحمد السادة النساخ لم يتوانوا عن إثبات وجودهم بشتى الوسائل ، والتعريف بالمهنة في كل المحافل النضالية ، وطرق كل الأبواب الموصدة ، وتجشم كل الصعاب في سبيل قضية النساخة . وزيادة على ذلك نجد مستويات مشرفة عند السادة النساخ ، بحيث هناك من حصل على الماستر وهناك من حصل على الدكتوراه ، وهناك من يواضبون على أعمال أدبية وفنية. ومن يكرسون حياتهم لأعمال إنسانية وإجتماعية .
الناسخ رضوان الركراك

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

من السخرية بما كان أن تجد الناسخ يقوم بأعمال يستطيع حتى طفل في المستوى الإبتدائي أن يقوم بها. إنها بحق مهنة السخرية والإستهزاء بالكوادر البشرية

غير معرف يقول...

صحيح ، قرأت يوما بأن العقل يحتاج للترويض يوميا حتى يظل مرنا متفطنا ، فعلى الأقل يجب ممارسة المطالعة أو ألعاب الذكاء أو فك الكلمات المسهمة وغيرها .
اللهم احفظنا من شر البلية ، نحن في زمن الزهايمر وأورام الدماغ الخبيثة .

غير معرف يقول...

انا ناسخ
اذن
انا مظلوم
انا اموت الاف المرات كل يوم

غير معرف يقول...

مهنة التخلف والرجعية ، لم نعد نريد منها شيئا ، مللناها ومللنا روتينها اليومي المضجر .

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمان الرحيم والعزة لله ولرسوله,مند ما يزيد عن 20سنة وانا ناسخ كل هواياتي تلاشت ما كنت افارق الكتاب حتى تغفوا عيني وهو بين يداي كانت لي عدة هوايات كنت احس بتجدد خلايا دماغي دخلت النساخة فمحت كل شيء داخلي اصبحت حبيسهاوكانني داخل غرفة مظلمة بلا نوافذ ولا ثقب يمر منه الاوكسجين او كاني داخل قوقعةماستطعت ان اعيش فيها ولا استطعت ان اخرج منهااصبحت رهين السجلات والعمل الذي لو كلفت به تلميذ في الابتدائي لاتقمه ولمل منه احس اني اموت ببطء خاصة عندما اشتغلت مع اناس اتوا من بعدي لا يحملون حتى الشهادة الابتدائية مع احترامي الكبير لهم احسست بظلم كبير عندما اكتشفت ان سنوات دراستي الجامعية ضاعت هكذا عبثا لاكون في نفس الخط المستوى الوظيفي مع دوي الشواهد الابتداية ولم تشفع لي سنوات دراستي او تنفعني في شيءلذا الادماج وعاجلا لاننا لم نعد نستطيع ان نستحمل خاصة مع النظرة الدنيوية التي ينظر بها الينا حتى ابسط حقوقنا لانتوفر عليها مثلا كل مكاتب الموظفين مجهزة باحدث المكاتب واجهزة التبريد الا مكاتبنا عشنا صيفاالله وحده يعلم كيف مر علينا او اسألوا سجلاتنا كم من قطرة عرق سقطت فوق اوراقه عانينا ومازلنا نعاني وارجوا من الله ان يتوقف عنائنا عاجلا لانه لم يعد لديناسيدي الوزير مكان نشتري منه مزيدا من الصبر ولم تعد لدنا حتى القدرة عليه لان هذه المهنة استنزفت قوانا الجسدية والدماغية فادمجونا واستفيدوا مما تبقى لنا من حلايا وااله المستعان على ما تصفون...ناسخ من الجيل القديم جاوز 45سنة بسنتين يسأل عن مصيره ولا يريد المهن الحر انما الادماج وما اظنه طلب المستحيل مقارنة بسنوات عمله