جوهر الإصلاح القضائي!
العربي أبوأيوب
Elarbi02@gmail.com
رفع المغرب الكثير من الشعارات من أجل إصلاح الجهاز القضائي، وتغنى بكثير من الخطب التي تنشد تحقيق قضاء في خدمة المواطن، ولاأحد ينكر أن العجلة تدور نحو تحقيق ذلك، لكن دورانها بطيئ جدا وفي كثير من اللحظات تتوقف عن الدوران، لكن الأخطر من كل هذا وذاك هو أن تنحرف عن مسارها الصحيح أو أن لايركب قاطرتها كل المعنيين بها وخاصة المهن الحرة بحجة كونها "حرة".
انطلقت وزارة العدل والحريات بقيادة الأستاذ المصطفى الرميد نحو إصلاح واقعي في منبعه ومصبه بإشراك الجميع، ولحد الآن يمكن القول أن العجلة تسير في اتجاهها الصحيح المنشود وبسرعة أكبر، لكن هل ركِبَ الجميع قاطرة الإصلاح؟ أم لابد من الرجوع مرة أخرى لجمع شتات المهن الحرة المرتبطة بالقضاء؟
كما هو معروف كل إصلاح أعرج وجوده كعدمه، وبالتالي فإن إصلاح القضاء يتطلب بالضرورة إشراك الجميع، وتغييرُ زاوية فيه يستدعي النظر إلى مدى توافق الزوايا الأخرى مع هذا التغيير الإصلاحي، وليس العكس.
وفي اعتقادي المتواضع، أن المهن القانونية والقضائية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحقوق الناس، ودورها فعال جدا داخل المحاكم وخارجها، وبالتالي فإن إصلاحها من إصلاح القضاء، ولاإصلاح للقضاء دون إصلاحها، وإصلاحها الحقيقي ينبني على لبنتين أساسيتين وهما: تعميم التصريح بالممتلكات، وإلغاء واجب الانخراط على الوافد الجديد.
1)تعميم التصريح بالممتلكات:
إن قضية التصريح بالممتلكات موضوع طويل يحتاج إلى تحليل من مختص، كما يستحق عنوانا مستقلا لكن لابأس أن أقول أن "تعميم التصريح بالممتلكات على كل ممارسي المهن القانونية والقضائية، الحرة والمأجورة، العليا والدنيا" مسألة ملحة، وهي قمة وأساس كل إصلاح قضائي وجوهره، وهي أيضا تستحق أن ترفع لوحدها كبرنامج لحزب دون غيرها من الشعارات والمتاهات، وربما يفوز هذا الحزب بالأغلبية الساحقة لأنه بذلك يدعو إلى الشفافية في منبعها، كما يدعو إلى تعميمها. وهو إجراء استباقي مانع من وقوع كثير من التجاوزات، وسيغني عن العديد من الإجراءات الرادعة.
2)واجب الانخراط في المهن القضائية:
هو أيضا موضوع تحدث فيه الكثيرون ويستحق وقفة تأملية تنشد الخير لهذا البلد وكافة أبنائه، كي تتساوى الفرص وتذوب سياسة الاحتكار.
وكما هو معلوم قيل الكثير حول الفساد الإداري بالمغرب منذ عهد الاستقلال، وتحدث العام والخاص من أبناء هذا الوطن عن دفع المال من أجل الحصول على وظيفة، وأدرك الجميع أن ذلك هو سبب أساس في انتشار الفساد الإداري والقضائي بالمغرب، ذلك أن الفرد الذي يدفع مبلغا من المال للحصول على وظيفة سيفكر بعد حصوله عليها أساسا في كيفية استرجاع ذلك المبلغ أولا، لأنه ربما اقترضه من أحد، أو لربما باع فيه أعز مايملك هو أو والديه، ثم بعدها سيفكر في كيف يحقق ربحا إضافيا، فالأمر بديهي ولايحتاج إلى إطناب؛ دفع مبلغ من المال رشوة من أجل وظيفة، نتيجته موظف فاسد لايفكر سوى في كسب المال بأي طريقة.
تعالوا لنسقط نفس النتيجة على المهن الحرة، لكن هذه المرة بموجب قانون داخلي لأحد الهيئات المؤسسة طبقا للقانون.
لقد بدأت بعض الهيئات الممثلة للمهن القضائية الحرة تفكر في خلق وفرض واجب مرتفع على كل متمرن تجاوز الامتحان بنجاح مقابل انخراطه فيها، وهي بذلك تريد أن تحدو حذو أخرى مافتئت تزيد في مبلغها بشكل مهول، على الرغم من عدم قانونية ذلك أصلا، فما بالك بنتائجها المأساوية وفي الغالب تكون النتيجة المباشرة واحدة من الاثنين: إما 1)إقصاء عدد كبير من الكفاءات الفكرية والعلمية لعدم القدرة المادية أو لعدم وجود من يشتريهم بماله. أو 2) دفع مبلغ الانخراط ثم البحث عن أقرب الطرق لاسترداده وقبض فوائده.
وخلاصة القول أن المهن الحرة القانونية تشكل بيئة القضاء وبالتالي فهي أولى بالإصلاح عن طريق التخليق القانوني حماية للمهنة، وضمانا لحقوق كل مواطن الممارس والزبون والمتمرن، كل في حدوده حتى لاتتحول العلاقة بين هذا الثلاثي إلى مسألة مالية مادية محضة منطقها من يكسب أكثر، لأن المراكز غير متساوية أصلا في هذه العلاقة، وإذا كان سبب فساد بعض القضاة مادي فسبب فساد كثير من ذوي المهن الحرة مادي أيضا.