أتذكر مرة إصطحبتني عمتي إلى مكتب في أحد المراكز النائية لأمور تتعلق بوثائق التجمع العائلي فهالني ما رأيت من منظر مروع تقشعر له الأبدان حيث كان شخصان مجلببين يقبعان خلف مكاتبهما الصغيرة المتهالكة ويتراشقان الكلام المستفز يحمل عبق الحقد الدفين وفجأة وبدون سابق إنذار تحول الأمر من مشاداة كلامية إلى تشابك بالأيدي العارية حيث أحكم الأول قبضته على تلابيب جلباب الثاني الذي كان بدوره يشد الآخر من لحيته وإنتزع بلغته الصفراء وإنهال بها على طاقية الأول ولولا تدخل بعض المواطنين البسطاء لفك المتشابكين لكان أحدهما شج رأس الآخر بأحد الكنانيش القاسية . كل هذا وأنا مسمر في مكاني لا أفهم شيئا مما يجري وفي حيرة من أمري وجرتني عمتي خارجا متنازلة عما جاءت من أجله وتلعن الظروف التي ساقتها لمثل
هذه المواقف.
هذه المواقف.
ومرت السنين وبعد أن تخرجت وأكرمني الله بهذه المهنة المتواضعة الشريفة علمت أن ذلك المكتب المذكور كان مكتب العدول والنساخ (لكن المسكينين أبطال القصة لم يعد لهما وجود) الذي أصبح حاليا يعج بنساخ يحتسون كؤوس الشاي المنعنعة لعدم وجود ما يقومون به ويلعنون حظهم العاثر والغلط في التعيين الذي رماهم إلى براثن الغربة الموحشة ناهيك عن ضعف شبكة المواصلات التي تزيد في الطين بلة . ومع ذلك تراهم مكافحون مثابرون قائمون بالواجب المنوط بهم خير قيام بارين بالقسم الذي أقسموه أمام الجلسة العلنية ومنتظرين الفرج من الله.وبعد أن من الله علينا وعليهم بهذه النخبة من أعضاء الرابطة الحالية ولامست مقاساتهم بالتجربة عن قرب وحملت على عاتقها الذوذ عنهم حتى آخر رمق لترفع صوتهم للسلطات المعنية وتبحث لهم عن الحلول الجدرية وتحقق لهم التجمع العائلي في احسن الظروف المشرفة لهم ولسائر النساخ من طنجة للكويرة.
ولله الحمد لقيت الرابطة تشجيع وإستحسان الجميع وحققت العديد من المنجزات في ظرف وجيز لم يكن ليتحقق لولا تكثف النساخ وتضامنهم ووضع ثقثهم التامة في رجالهم اللأبرار وفي السدة العالية بالله لجلالة الملك نصره الله . فقبل سنوات ليست بالطويلة كنت تدخل على الأنترنيت جاهدا للبحث عن النساخ فلا تجد إلا النذر اليسير من الأخبار(وهنا أتوجه بالشكر لمؤسسي مواقع النساخ) أو أخبار مبهمة من قبيل :
? هل أخطأ إبن الجزري رحمه الله أم أخطأ النساخ ؟
? هل أخطأ نساخ الإنجيل ؟
? نساخ الكتاب المقدس عند الكاتوليك...
? كتاب تاريخ الوراقة المغربي للعلامة محمد المنوني أشهر النساخ.(وهي مواضيع سنحاول إدراج مقالة مختصرة عنها فيما بعد)
أما اللآن ولله الشكر ما أن تكتب إسم النساخ على كوكل حتى تنهال عليك سيول من الأخبار قلما تجدها في مهنة قضائية أخرى الإضرابات والوقفات والإجتماعات والمناظرات والإعتصامات والقرارات والتوصيات والبلاغات والبيانات والحوارات ... ياااه من هم هؤلاء النساخ الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها وما هي مشاكلهم ومعاناتهم ؟ ما أن تفتح موضوع من مواضيعهم حتى تقول في قرار نفسك فعلا معهم حق .
واستكملت القضية بتعيين هذه النفحة الطيبة من نساخ الجيل الثالث الذين سرعان ما إتحدوا مع الجيلين الأوليين وتمخضوا عن كتلة نيرة من خيرة نساخنا ويبقى الخيار للجميع في تجميل أوتسويد وجه المهنة التي ننتمي إليها هل نريدها أن تكون مثل البطلين السابقين (جلول وعزوز) أم نريدها مهنة نموذجية يقتدى بها ونسير بها على النهج الذي سار به النساخ في العديد من مدن المملكة (السيمو وكريمو) الذين آثروا المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة .
الناسخ رضوان الركراك
هناك تعليقان (2):
حفظك الله يا اخ الركراك واظافك الله قيمة الى الاستاذ السي العربي ابو ايوب حفظكما الله ورعاكما
قلت فأحسنت بارك الله فيك
إرسال تعليق