كلما صدر قانون أو مرسوم أو قرار أو حتى مناشير وزارية بل وحتى الشعارات وغيرها مما ترفعه الدولة المغربية، فأقارن بينها وبين واقع مهنة النساخة فأجد أن هذه المهنة وماتنظمها من نصوص قانونية وتنظيمية تخالف في واقعها بوضوح التوجه المغربي العام، وكأن الذين يسهرون على هذا القطاع ويخططون له هم أناس من بلد آخر غير المغرب أو أناس من مغرب 1800 ينظِّرون لمغرب 1900 أما مغرب 2017 ومابعدها فإنه تجاوزنا وإياهم بكثير ومازال التراكم يزداد يوما بعد يوم فتزداد مهنة النساخة تراجعا وتضعف فاعليتها ويتضرر ممارسوها ويفنوا أعمارهم هباء.
كثيرة هي المحطات التي يمكن الحديث عنها أذكر منها على سبيل المثال باختصار:
قضية التعريفة العجفاء التي رغم تعديلها مرتين لم تصل المنطق الذي عدلت به تعريفة العدول إذ مثلا تم ضرب تعرفة تضمين الزواج من قبل الناسخ في اثنين بينما تم ضرب تعريفة العدول في خمسة.
ثم شعار الشباك الوحيد الذي رفعه المغرب من زمان في قضايا كبرى كالاستثمار في حين لايمكن أن تسخرج نسخة من توثيق أقسام قضاء الأسرة إلا بعد مرورها من بين يدي ناسخ وعدلين الله أعلم أين يجدهما الناسخ بعد البحث والجولان ثم قاضي، وكم عدل يصرح علانية بأنه لايوقع ولن يوقع النسخ مهما وقع.
والعديد العديد من قبل ذلك كشعار المغرب الرقمي، وشعار العدالة في خدمة المواطن، وإصلاح منظومة العدالة، وصدور نصوص قانونية تنظم المهن الحرة إلا مهنة النساخة فلاهي بحرة ولاهي ب"مستعمرة"...الخ
وفي نفس هذا السياق يأتي المرسوم رقم 2.17.410 الصادر في 29 من ذي الحجة 1438 (20 سبتمبر 2017) بتحديد كيفيات الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها، والذي سيبدأ العمل به من تاريخ 2 يناير 2018 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6616 حيث جاء فيه مايلي:
المادة 5: يتم الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها، بعد الاطلاع على أصول الوثائق من قبل المسؤول أو الموظف أو المستخدم المكلف بذلك، والتأكد من مطابقة مضمون النسخ لهذه الأصول في الوقت نفسه.
وفي حالة ثبوت المطابقة بين أصول الوثائق ونسخها، يضع المسؤول أو الموظف أو المستخدم المعني توقيعه على النسخة أو النسخ المطلوبة، مع الإشارة فيها إلى اسمه وصفته وتاريخ الإشهاد بالمطابقة والإدارة التي ينتمي إليها ومع التنصيص فيها على العبارة التالية: "نسخة مشهود بمطابقتها للأصل".
المادة 6: يتم الإشهاد بمطابقة النسخ لأصولها، تحت مسؤولية الشخص المنتدب للقيام بذلك، ولا يتحمل أي مسؤولية فيما يخص مضمون الوثيقة التي شهد بمطابقتها لأصلها.
بعد قراءة هذين المادتين ستلاحظون أن من المنطق أن نتسائل جميعا؛
-أليست مهنة النساخة تسير عكس التيار العام الذي يسيره المغرب؟ وإلى متى ستبقى الامورهكذا؟
-إلى أي حد يكون الناسخ وفق للمادتين أعلاه والمكلف قانونا بالنسخ، أهلا للتوقيع على النسخة وحده والاستفادة من أتعابها مقابل ذلك دون الحاجة إلى العدلين الذين مهمتها الأصلية والأصيلة هي التلقي والتحرير؟ ودون تعطيل أو تأخير للمواطن؟
-أليس الناسخ بمنطق المادة 5 أعلاه "المكلف بذلك" أم هو الحرص على أن تسير مهنة النساخة فعلا عكس التيار إلى مالا نهاية؟.....
-أم أن الناسخ غير أهل لهذه المهمة لكونه إنسان ناقص الأهلية مُستأنس به بعض الوقت يلزم وجوبا أن يغادر فور دخول المرسوم المذكور حيز التطبيق حتى تنسجم الدولة المغربية مع نفسها في تشريعاتها ومؤسساتها أم ماذا؟؟؟؟؟؟......
توقيع العربي أبوأيوب