كل التصورات الإصلاحية لمنظومة
العدالة بالمغرب تنطلق من كون القضاة هم العمود الفقري لها، غير أن تعاظم دور
وموقع المهن الحرة القانونية يجعلني أؤكد بما لايدع مجالا للشك أن هذه الأخيرة
أضحت النخاع الشوكي والقلب النابض لمنظومة العدالة، وبالتالي فإن الإصلاح الذي
لاينطلق من تصور مبني على تطوير طريقة اشتغال ممارسي المهن القانونية الحرة تطويرا
جذريا مصيره الفشل.
لاننكر أن ثمة وعي جماعي
بضرورة معالجة وضع منظومة المهن الحرة القانونية من خلال الحوار
الوطني الجاري المتعلق بالبرنامج الشامل لإصلاح العدالة.
الوطني الجاري المتعلق بالبرنامج الشامل لإصلاح العدالة.
غير أني أعتقد أن هذا
الإدراك لم يكن بالمستوى المطلوب والكافي للنهوض بالمهن الحرة من أجل أداء دورها
المواطنتي في علاقتها بالمواطن من جهة وباقي المؤسسات من جهة أخرى، وخاصة علاقتها
بالمحكمة التي يراد النهوض بأدائها ودورها وتحسين صورتها.
إن المهن القانونية
الحرة يتعاظم دورها يوما بعد يوم بسبب مجموعة من العوامل منها اتساع الترسانة
القانونية، وكذلك ضغط ممارسي تلك المهن نحو تحقيق مزيد من المكتسبات.
وإذا تمحصنا أسباب فساد
العدالة فسنجد الرشوة هي السبب الرئيس إن لم نقل هو الآفة التي تتفرع عنها كل
الآفات.
وبملاحظة بسيطة للواقع
المغربي فإن طرق جلب المرتفقين (الزبائن) وطرق أخذ واجبات الأتعاب لذا ذوي المهن
الحرة تكاد تكون هي نفسها الطرق التي تؤخذ بها الرشاوى، ناهيك عن كون الواقع يفرض
على ممارس المهنة الحرة أن يتحرك من أجل تحسين دخله، الشيء الذي يجعله يخضع
لقوانين السوق الجاري بها العمل كي يضمن بقاءه، ويتخلى عن كثير من مبادئه وأفكاره،
بل قد يضربها كلها عرض الحائط حينما يجد المواطن يسبه جهارا لأنه لم ينفذ ماطلب
منه وقد أدى له كذا وكذا من الدراهم، ولعل السماسرة أحينا يكونون الأكثر دخلا والأفضل
موقعا اجتاعيا من الممارس نفسه، إلى درجة قد تجد سمسارا أميا يتاجر جهارا في
المرتفق وصاحب المهنة في الآن ذاته.
هذا الوضع باختصار يجعل
من ممارس المهنة القانونية الحرة في نظر المواطن وسيلة لدفع النقود من أجل الوصول
إلى مايريد هو وليس إلى حقه، لأنه مقتنع تمام الاقتناع أن (الفلوس الدير طريق في
البحر)، ويجعل الممارس للمهنة الحرة في وضعية مأجور يجب أن ينفذ أوامر مشغله ويرضخ
لشروط سمساره.
وخلاصة القول وحتى
لانتيه في سرد ماهو كائن أعتقد أنه لاإصلاح لمنظومة العدلة دون إصلاح شامل
وجدري لكل المهن القانونية الحرة أولا، ولاإصلاح لهذه الأخيرة دون الحد من
الفردانية والتوجه نحو التكتل الإجباري للمهنيين في مؤسسات فعلية وفعالة يعطي فيها
كل فرد حسب طاقته ويأخد منها حسب عطائه.
مؤسسات تتمتع بالشخصية
المعنوية القانونية والإدارية والمالية يحكمها قانون يستقي بنوده من نظام الشركات
والوكالات ومؤسسات الدولة العمومية مع مراعاة الخصوصية.
وأتصور أن يكون هذا
التكتل بأحد الطريقتين:
1)
إما
أن يكون أقرب إلى مؤسسات الدولة العمومية، وبالتالي نكون أمام مؤسسة واحدة ولها
فروع في كافة أرجاء البلاد، ويكون المهنيون أشبه مايكون بالموظفين بامتيازات خاصة،
يعملون في إطار خلية واحدة يساعدهم جهاز من العمالة الدائمة التي تسهر على حسن سير
المرفق شكلا ومضمونا.
2)
أو
أن يكون هذا التكتل مبني على مبدأ المنافسة وبالتالي نكون أمام عدة مؤسسات تكون
أقرب إلى نظام الشركات، وتتنافس في تحسين جودة خدماتها حتى تضمن بقائها وهيمنتها
وتطورها.
بالتأكيد سوف يتبادر إلى
الذهن عيب كل نظام من النظامين أعلاه غير أني أتصور أن أي منهما سيكون أفضل من
الوضع الراهن، وأعتقد أن إصلاح القضاء لايمكن أن يتم دون ذلك، وأتمنى أن تكون هذه
إشارة فقط للبحث في هذا المجال مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب الناجحة في كل من
مهنتي العدالة من جهة ومهنة المحاماة من جهة أخرى.
العربي أبوأيوب
ناسخ قضائي بالجديدة