السبت، 7 يوليو 2012

القيمون وأمناء الخزانات

مازال نساخنا الغيورين على المهنة يتـفطر قلبهم على خزانتنا ويتحسرون عليها وهم ينظرون إلى سجلات تعود إلى أيام الإستعمار وقد غطتها الأتربة ونسج العنكبوت خيوطه حولها ، وينظرون بعين الحزن والأسى إلى سجلات حديثة تتفكك ملزماتها وتتفسخ أوراقها المزدوجة وتتلوى أغلفتها من الورق المقوى . والكل يتمنى من أعماق قلبه لو تحظى خزانته بإهتمام خاص وعناية فائقة ترقى بها إلى مستوى خزانات القيمون أو أمناء المكتبات والوثائقيون ، فاليوم تضخمت الخزانات وتعددت المعارف ولم يعد بإمكان الناسخ ذو القدرات المحدودة أن يقوم بجميع العمليات المكتبية الخاصة بالخزانة كما كان الشأن بالنسبة لأمين الخزانة قديما وإنما تحتاج (على رأي العديد من السادة النساخ)  لعدد من القيمين ذوي إختصاصات مختلفة لتسييرها والقيام
بشؤونها ما بين مصنفين ومفهرسين ومختصين بالمطبوعات والوثائق..
الخزانة (بصفة عامة في أي دومين) تتصل إتصالا وثيقا بتاريخ التراث والحضارة لإحتوائها على مخزون المجتمع من سجلات ودفاتر وكتب ونحوه ، وحفاظها على ذلك المخزون على مر السنون . وذلك لا يتأتى إلا بقيمين عليه إعتنوا به وحفظوا لنا هذا التراث لضلوعهم بعلم البليوتيكنوميا وهو علم التسيير والتنظيم والفهرسة والتصنيف وما إليها..هذا ما حتم في الوقت الراهن –خصوصا مع تشعب الخزانات- البحث عن قيمين جمعوا بين الثقافتين العلمية والتقنية تمكنوا بفضلها من التحكم في محتوياتها الغنية .
وتاريخيا في المغرب جرت العادة على تكليف قيمين على خزانات الدولة ، حيث يقول لومبريير في رحلاته : "كانت خزانة السلطان العلوي محمد بن عبد الله تزخر بآلاف المخطوطات مما دعى السلطان إلى تعيين قيم آخر لمساعدة المشرف الأعلى " وهذا المنصب كان لا يوكل إلا إلى أناس في الذروة علما وفضلا وأدبا وحكمة أغلبهم كانوا قضاة ، وقديما كان ملوك المغرب يوكلون هذه المهمة حتى إلى الوزراء الذين يكونون على رأس العلماء المكلفين بالحفاظ على الخزانة.
يقوم القيم بوضع فهارس مصنفة تعكس التصنيف المطبق في الخزانة ، ويتضمن الضبط وترتيب الخزانة وتصنيفها تصنيفا موضوعيا . جاء في الدرر المرصعة : " يحدثنا أبا عباس ابن ناصر أنه رتب محتويات خزانة الزاوية حسب العلوم وجعل لكل نوع علامة تميزه عن غيره " . وإحتوت الخزانات -بالإضافة إلى الكتب- وثائق قيمة ومخطوطات نادرة ، فحتى القرن العشرين كان يصعب على الباحثين والمكتبيين أن يميزوا بين المخطوطات وبين الملفات المحتوية على الوثائق فإلى جانب أعمالهم المكتبية كانوا يقومون بأعمال الوثائقيون يرتبون الوثائق حسب العصور والموضوعات ، وكان القيمون كذلك يقومون بنسخ المخطوطات بايديهم او يشرفون على نسخها ، فقد كان ابن الصقر خازن المكتبة الملكية الموحدية وراقا في فاس ، ولما اسندت له هذه المهمة بمراكش إستمر في عملية نسخ المخطوطات بها حيث نسخ دواوين ودفاتر لا تحصى .
وظاهرة النسخ تكاد تكون عامة عند جميع أمناء خزانات الدولة ، وما تميز به الأمناء أو القيمون المغاربة في هذا الإطار هو ما يسمى بعملية التنسيخ الجماعي ، فالمعروف أن هذه الظاهرة تكاد تختفي عند القيمين والنساخين في المشرق العربي لكنها كانت معروفة ومعمول بها عند اليونانيين وهي عبارة عن نسخ جماعي للمخطوط ، والخزانة المغربية تشهد على النسخ الجماعي باحتوائها على آلاف المخطوطات المنسوخة بشكل جماعي .
ألا يرتبط ما سلف بمهنة النساخة ؟ أم أن خزانة النساخ بما إحتوت عليه من آلاف بل ملايين حقوق أفراد المجتمع لا تستدعي تدخل قيمين مثل هؤلاء لإنقاذ أرشيف نساختنا القديم والحاضر والمستقبلي من أي تلف قد يطاله . إذا كان الأمر بلى فيا ريث لو يحضى بإهتمام السادة المسؤولين ويدرجوه ضمن خزانات الدومينات المعروفة درءا لضياع حقوق المواطنين مع مرور الزمن ونجاعة في الإنجاز وتقريبا للإدارة من المواطن .



الناسخ رضوان الركراك

ليست هناك تعليقات: