الخميس، 21 يونيو 2012

إيتيكيت النساخة


قبل أكثر من مائة عام ظهرت في أوربا كتابات كانت تعتبر غريبة تعلم الناس فن الإتيكيت وحسن التصرف ، دأب عليها مشاهير الأدب من الذين لم يترفعوا عن المساهمة في تخليق الحياة العامة في المدن ، حيث كان أحمد راسم باسطنبول وفكتور هوجو بباريس وتشارلز ديكنز بلندن وجيمس جويس بدابلن ...ذوي جرأة صريحة في تقفي أخلاق سكان مدينتهم وإنتقاذها بعد تتبع تصرفات الناس في الأماكن العامة وما يصدر عنهم من سلوكيات غير لائقة وبدائية مشوهة وطرح الحلول بنصائح قيمة تعم الخاص والعام.
وبعد مرور هذه السنين وتعاقب جيلين أو ثلاثة آتت أعمالهم أكلها وصارت مدنهم مشهورة بنظافتها وجمالها وتمدن قاطنيها ومعرفتهم الجيدة بحسن التصرف والإيتيكيت المطلوب في الأماكن العامة ، لقد تعلموا القدرة على مسايرة التطور السريع الذي كانت تعرفه المدن
وتعلموا من النصائح التي كانت تتصدر الجرائد الوطنية - القليلة والمحدودة وقتها - خصوصا جريدة ذ مورنينغ كرونيكل الإنجليزية . وصرنا نتحسر على ما سبقونا إليه من تحضر ورقي لا يمكن أن نلحق بركبهم إلا بمرور نفس عدد السنوات التي مروا بها تقريبا .
ومن المفارقات أن الإسلام كان قد سبقهم للأمر بأكثر من أربعة عشر قرن ! حيث جاء في كتاب ل ‘‘عمر خالد‘‘ تحت عنوان : ‘‘فن الذوق‘‘ أن الإسلام كان سباقا في هذا الشأن ، وكان أول من سن الخطوط العريضة للإيتيكيت التي يتشدق بها الغرب ويتفاخر بها علينا . أما في المغرب ولكي نصل لمرتبة التحضر والمدنية حشونا المدن بالبنايات العصرية والسيارات الفارهة والحافلات والأسواق العصرية وتركنا فن التصرف الذي هو الأساس في تخليق الحياة العامة حتى أصبحنا نرى الشارع العام يغص بسلوكات بذيئة وأعمال سيئة وأفعال قذرة زادت في الطين بلة وزادت بنا إلى الوراء ، ولم نأخذ من الحداثة إلا رديئها وخبيثها..
ولا يخفى عليكم زحف سوء التصرف هذا الذي طال مهنتنا الحبيبة التي أصبحت تئن من سوء تصرف البعض الذين حولوا المكان لشبه سوق السمك بالصخب والهرج والمرج ، وإنسكاب محتويات سلات المهملات هنا وهناك ، والمناوشات والشنآن المتكرر ، والتضارب على الرسوم العدلية والنسخ والدمغات – مع العلم أن قاضي التوثيق هو المكلف بتقسيم العمل بين النساخ بالتساوي إلا أن بعضهم يتهربون من المسؤولية ويرمون حملها على النساخ ينهشون في لحم بعضهم البعض – وتكاثر اللغط والتغامز والتنابز بالألقاب ، وأهملنا اللباقة في حسن التصرف مع بعضنا البعض وأهملنا حسن الإستقبال للمواطنين ، وأهملنا ‘‘الإبتسام في وجه أخيك صدقة ‘‘ وتركنا المجال للعصبية القبلية تعمل عملها في أوساطنا وتشتت شملنا ، وصارت العصبية شعارنا والتهكم لواؤنا.. وصار الخبث والدهاء هو مقياسنا ، والسطو على البلداء هو أساس جلب الرزق ، والجري وراء الدرهم والدينار هو العبادة ، والتحاذق على الغير هو المعيار ، والتهافت على خدمة أجندات الغير والطعن من الظهر ونكران الجميل .. ليس بلئيم ، والتعامل بسبع وجوه هو الأغلبية ، ونسينا قوله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} فيا ريث لو نطبق في حياتنا المهنية فن الذوق في الإسلام أو حتى فن الإيتيكيت عند الغرب .. يقول الله تعالى جل وعلا : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
الناسخ رضوان الركراك 

ليست هناك تعليقات: