النساخة مهنة تمارس داخل أقسام قضاء الأسرة في منزلة بين المنزلتين لاهي مهنة حرة تتمتع بحقوق المهن الحرة ولاهي وظيفة عمومية تتمتع بحقوق الوظيفة العمومية، لكن في نفس الوقت محكومة بواجبات كل منهما، بالإضافة إلى الرابط التعسفي بينها وبين مهنة العدالة.
أما الناسخ فهو في نظر القانون الحالي آلة لنقل الحروف من وإلى سجلات التضمين ليست له إرادة وليس له تمييز وبالتالي ليس له حق، يكاد وضعه يذكرنا بالعصور الغابرة التي كان يسترق فيها الانسان ويعمل في طار أعمال السخرة مقابل مايكفل بقاؤه حيا.
وضع لم يعد شباب اليوم يطيقه أبدا، فتعالت الصيحات والاحتجاجات كما تعالت معها الآهات بسبب المعانات. وكان من بين أهم المقترحات التي تطرح بحدة من قبل الغالبية الساحقة من النساخ إدماج النساخة في سلك الوظيفة العمومية.
وقد قام الجهاز الإعلامي والإخباري للنساخ القضائيين بعملية استفتاء في صفوف النساخ والناسخات القضائيين بالمغرب، همت حوالي 500 ناسخ وناسخة، فكانت النتيجة على النحو التالي:
- 86% منهم يرغب في أن تدرج مهنة النساخة في سلك الوظيفة العمومية.
- 13% فقط هم الذين عبروا عن رغبتهم في أن تضل مهنة حرة لكن بشرط أن تعاد صياغة هيكلتها وإطارها القانوني.
فلماذا ياترى يطالب هؤلاء بأن تكون مهنتهم وظيفة عمومية؟ وإلى أي حد يكون هذا الطرح معقولا؟
لقد ناضل النساخ والناسخات القضائيون من أجل أن يروا يوما ما مهنة النساخة مهنة قضائية حرة شأنها شأن نظيراتها من المهن الحرة الأخرى. فأفنى عدد كبير منهم عمره بين أكوام أرشيف التوثيق العدلي المتآكل، وشاخ بعضهم وابتلي بعضهم ولم يتحقق ماكانوا يصبون إليه. وهاهي الأجيال تتوالى والحالة هي هي، وهذا أمر كاف لوحده لكي يصدع الناسخ مع أخته الناسخة بصوت عال ليس من اجل إدماجه كعاطل عن العمل ولكن من اجل إدماج مهنته التي في كثير من المراكز تكون البطالة خير منها بكثير. وعليه فإنه يمكن القول أن حتى نسبة 13 في المائة الذين قالوا تظل مهنة حرة ربما هم أناس يحاولون أن يكونوا مثل أيوب عليه السلام في صبره أو يتوهمون أمرا قد يأتي أو لايأتي أو ... أو... وإذا أخذنا بعين الاعتبار شرطهم المصحوب باختيارهم سنقول أن نسبة 99% هم الذين يريدونها وظيفة عمومية محكومة بقانون الوظيفة العمومية.
فماهي بعض المبررات التي تجعل النساخ يطالبون بأن تكون النساخة وظيفة عمومية؟ وإلى أي حد يكون طرحهم وجيها ومقبولا؟
إن سياسة تقريب القضاء من المواطن من اجل جعله في خدمته يقتضي بالضرورة تعيين نساخ في أماكن نائية يقل فيها العمل بشكل خطير جدا، حيث أن هناك مراكز لايتجاوز دخل الناسخ الواحد فيها ثلاثين 30 درهما. وبما أن الناسخ هو الآخر مواطن فإن تحميله أي واجب يقتضي بالضرورة أن يصحبه حق أيضا، ومن أهم هذه الحقوق أجرة مقابل التكليف تضمن له حياة كريمة ومعيشة تغنيه عن مد يده للحرام أو التزوير أو فعل مامن شأنه أن يحط من كرامته وبالتالي قدسية جهاز القضاء ككل، وعليه فإن الحل الأمثل لمثل هذه المعضلة هو دمج النساخ في سلك الوظيفة العمومية خدمة للشعب بالشعب لمصلحة الشعب، مادام الشعب ركن أساسي في الدولة ومصدرا لها.
وقد يرفض أحد هذا الطرح من باب أن هذا الحل فيه تكاليف زائدة على ميزانية الدولة، لكن قائل هذا الطرح لايعرف مهنة النساخة وربما لايعرف عن التوثيق العدلي شيء فالتوثيق العدلي برمته يدر على خزينة الدولة أموالا طائلة كما انه يخدم مصلحة المواطن ويضمن له الأمن المعاملاتي الذي هو أساس كل تقدم وتنمية، وبالتالي فهو يضمن الأمن والاستقرار الذي تهضر من أجله أموال باهضة دون جدوى هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كثرة العمل ببعض المراكز من شأنه أن يوفر للدولة مداخيل مهمة تكفي لتغطية الخصاص في المناطق الضعيفة كما توفر فائض احتياطيا لمصلحة هذه الدولة.
أما الجانب الاجتماعي والصحي والإنساني فهو آخر مايخطر على بال المتحدث مع الناسخ أو الناسخة، لأنه لامحل له منه، وهو أمر في غاية الخطورة خصوصا أن المغرب رفع عدة شعارات في هذا الباب من قبيل التنمية البشرية، الصحة للجميع، وهلما جرا، وقد كنت مرة في حديث مع أحد الأجانب وقلت له أني ليس لي تقاعد ولاتغطية صحية وهو يعرف جيدا أني أروح وآجي من وإلى المحكمة فصعق وصدم حتى انه ضن أني أكذب عليه ولم يثق بي ثم شك في كوني اعمل حقا بالمحكمة حتى سلمته الوثائق وأدليت له بقرار التعيين، ومع ذلك رأيت شيئا في عينه يقول أنه غير مقتنع مائة بالمائة. وقال "غير معقول أن يكون هذا في المغرب البتة" ثم ضحك وقال كان أحد أصدقائي يقول لي "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب" لأن كل شيء ممكن، وهو بلد المتناقضات في الوقت الذي تبدل فيه الجهود من أجل تفعيل الشباك الوحيد في عدة مجالات تعطى النسخة لأربعة شبابيك وماأدراك ماشبيك المحكمة ومن حولها.
أما من الناحية الواقعية فإن الصراع القائم إلى حدود الساعة بين العدل والناسخ لايخدم أي منهما كما أنه يلوث سمعة التوثيق العدلي ولايحقق مصلحة المواطن لأنه يضمن مرتعا خصبا لكل المفسدين والمتلاعبين، ولاسبيل إلى حله إلا بإنهاء ذلك الرابط التعسفي بينهما، وفي نظر اكثر العارفين بشؤون التوثيق أن إدماج النساخة في سلك الوظيفة العمومية من شأنه أن يضع حدا قاطعا بين المهنتين مهنة حرة وهي مهنة العدالة، ووظيفة عمومية هي النساخة يتقاضى الأول أتعابه من المواطن، ويتقاضى الثاني أجرته من الدولة، والدولة هي وحدها التي ستحدد العلاقة التي ستربطها بالعدل ومسطرة إنجازه للمهام التي تدخل في اختصاصه، وحينها سوف لن يحرج أولائك الذين يدافعون عن كون النسخة ملكية خالصة للعدل، لأنهم ستكون لهم عدة مبررات مقبولة.
توقيع: العربي أبوأيوب