نزولا عند طلبات كثير من الإخوة الذين سيقدمون على مباراة النساخ، سأخط هذه الكلمات التي لاتعدوا أن تكون اجتهادا شخصيا من أحد المحسوبين على مهنة النساخة، أتمنى أن تستفيدوا من أخطائها أكثر من صوابها وبالتوفيق للجميع، وهي بمثابة تتمة للموضوع المنشور في بوابة النساخ التي يشرف عليها الأستاذ المحترم عبد اللطيف البوشيخي.
مرحلة الخطاب على الشهادة العدلية
تعتير هذه المرحلة هي آخر مراحل ميلاد الوثيقة العدلية، فبعد التلقي ثم التحرير ثم التأشير ثم التضمين يأتي الخطاب ليعطي الوثيقة العدلية الصفة الرسمية، وبالتالي القوة القانونية لتصبح مبدئيا حجة قانونية قاطعة، يمكن الاحتجاج بها وبكل مضامينها سواء بين أطرافها او الغير. فما المقصود بالخطاب ومن هو المختص به؟ وماهي عناصره وآجاله؟ وماهي النتائج المترتبة على وجوده؟ أو تخلفه؟
يعتبر القاضي المكلف بالتوثيق هو الجهاز المشرف والمراقب لسير العملية التوثيقية داخل أقسام قضاء الأسرة، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال المداة 34 من القانون رقم 16.03 حينما ألزم المشرع المغربي العدول بضرورة أداء الشهادة التي تلقوها لديه، الشيء الذي من شأنه أن يعزز دوره المذكور ويجعله دائما ومستمرا، وتتجلى هذه الأهمية في كونه وحده المخول طبقا للفقرة الأولى من المادة 35 بالمخاطبة على الشهادات العدلية، خصوصا وأن هذه العملية تكون آخر المراحل أي "بعد إتمام الإجراءات اللازمة" فيكون خطاب القاضي المكلف بالتوثيق موقوفا على مدى إتمام كافة الإجراءات اللازمة وكذا خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل.
فالخطاب إذا بمثابة مراقبة لكل الشهادات العدلية المنجزة، خص به المشرع جهة محايدة وهي القضاء، ويمكن اعتباره رقابة قبلية لضمان احترام القانون من جهة، وضمان مصداقية الوثيقة العدلية من جهة أخرى حفاظا على الثقة التي يجب أن يحس بها المواطن تجاه العدول، ويتكون الخطاب طبقا للمادة 38 من المرسوم رقم 2.08.378 من خمسة عناصر وهي:
1. نص الخطاب أو صيغة الخطاب: ويقصد به مجموعة من الكلمات كان يكتبها القاضي المكلف بالتوثيق بخط يده من ذي قبل، وقد تعددت صيغها ومنها "الحمد لله اطلع عليه" و "الحمد لله روقب"... غير أن العبارة التي كانت سائدة في الآونة الأخيرة قبل صدور القانون رقم 16.03 هي "الحمد لله أديا فقبلا وأعلم بثبوته" أما في ظل القانون الجديد فإن العبارة الموحدة التي يجب أن تعتبر صيغة الخطاب هي: "الحمد لله أعلم بأدائها ومراقبتها" وأصبح هناك طابعا ممسوكا من طرف القاضي المكلف بالتوثيق أو بيد الناسخ يحمل هذه العبارة ويطبع في نهاية كل الشهاداة العدلية على محررها المحرر في ورق من طرف العدل، وأيضا على تمضيمنها في سجل التضمين من طرف الناسخ.
2. التوقيع: ويدعى أيضا في لغة التوثيق شكل القاضي المكلف بالتوثيق ويقصد به إمضاؤه ويكون بمداد أسود.
3. اسم القاضي: يجب أن يقترن التوقيع بالاسم وهذه من الأمور البديهية، غير المادة 38 المذكورة أعلاه نصت صراحة على ذلك حتى لايتم إغفاله، وتتجلى أهمية ذلك في تحديد المسؤوليات.
4. الطابع: وهو طابع المحكمة الذي يشير إلى صفة صاحب التوقيع، فتجد فيه عبارة "قاضي التوثيق" أو "القاضي المكلف بالتوثيق" بعد عبارة "المملكة المغربية" "وزارة العدل" ثم اسم المحكمة الابتدائية وأحيانا قسم التوثيق بها حسب الأحوال.
5. التاريخ: لايخفى على أحد مدى أهمية ذكر تاريخ الخطاب على الشهادة العدلية، لأنها تصير ابتداء منه وثيقة رسمية مكتملة من الناحية القانونية، وعليه فقد درج العمل بالمغرب على التنصيص على التاريخ بالتقويمين الهجري ومايقابله من الميلادي علما أن المشرع اكتفى بعبارة "التنصيص على تاريخ الخطاب" وسكت، خلاف مافعل بالنسبة لتاريخ التلقي.
آجال الخطاب:
على عكس ماسبق فإن الحديث عن آجال الخطاب يقتضي منا التفريق بين الخطاب على الشهادة العدلية في المحرر، والخطاب عليها في سجلات التضمين، حيث أن المادة 38 من المرسوم المذكور حددت آجال الخطاب على المحرر في ستة أيام ابتداء من تاريخ تضمينها، وهذا يعني أن القاضي لايخاطب على المحرر إلا بعد تضمينه طبقا لصراحة هذه المادة من المرسوم وطبقا لما يفهم أيضا من المادة 35 من القانون رقم 16.03 لأن التضمين يدخل حتما في إتمام الإجراءات الضرورية واللازمة للشهادة العدلية.
أما بالنسبة للخطاب على الشهادة في السجلات فقد نصت المادة 32 من القانون رقم 16.03 في فقرتها الأخيرة على مايلي: " يخاطب القاضي في تلك السجلات داخل أجل شهر من تاريخ التضمين على الشهادات المضمنة بها؛ كل شهادة على حدة بعد توقيع العدول شهودها عليها" أي أن القاضي المكلف بالتوثيق له الحق في تجاوز ستة أيام بالنسبة للسجلات دون أن يتجاوز الشهر.
ومما سبق نلاحظ أن المشرع المغربي قد جاء بمقتضى جديد لم يكن منصوصا عليه في القانون السابق، والهدف منه هو تمكين المواطن من الوثيقة في أقرب الآجال حتى لاتتوقف مصالحه على مجرد عدم حضور العدل العاطف لسبب من الأسباب، واشترط في كل الأحوال أن تكون الشهادة ضمنت، غير أن التفاوت في الآجال على الرغم من إيجابياته فإنه لايخلو من سلبيات لامجال لطرحها في هذا المقام.
النتائج التي تترتب على الخطاب:
قبل الخطاب على الوثيقة العدلية فإنها تكون غير تامة، ولاتكتسي الحجية القانونية التي للورقة الرسمية، وبالتالي فإنها قد تكون مجرد بداية حجة، أو وثيقة غير مكتملة الأركان، قد يستدعي اكتمال أركانها اللجوء إلى مسطرة التعريف، حسب الحالات والشروط الواردة في المادة 35 من المرسوم المذكور.
أما عندما يخاطب السيد القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادة العدلية، سواء كشهادة أصلية أو تعريف لشهادة أخرى، أو شهادة أعيد تحريرها فإنها تصبح وثيقة رسمية ويصير التعريف حين ذلك أصل طبقا للمادة 21 من المرسوم المذكور.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع يمنع من خلال المادة 35 من القانون المذكور على القاضي المكلف بالتوثيق المخاطبة على الشهادات التي تكون خاضعة للتسجيل إلا بعد تأديتها، علما أنه ألزم العدلين من خلال المادة 28 من المرسوم بأن يقوموا بما يلزم من أجل توجيه محرر الشهادة صوب الجهات المعنية قصد التسجيل، قبل أن تصبح بيد القاضي المكلف بالتوثيق.
أما بعد الخطاب فإن القاضي طبقا للمادة 38 من المرسوم يعمل على توجيه نسخة من الشهادات الخاضعة للتسجيل لمكتب التسجيل المختص، كما يوجه إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نظائر من عقود التحبيس وعقود اعتناق الإسلام.
كما يقوم طبقا للمادة 87 من مدونة الاسرة بتوجيه نسخة من وثيقة الطلاق إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق، ويقصد بالنسخة في كل هذه الحالات نظير إذ يحرر العدل نظير إضافي يسحبه القاضي المكلف بالتوثيق أو من يكلفه هذا الأخير بذلك ليرسل إلى الجهات المهنية حسب نوع الرسم طبعا إذا كان يدخل في نطاق هذه المجموعة المذكوة.
العربي أبوأيوب ناسخ بمركز تنغير
E-mail: elarbis4@hotmail.com
هناك تعليق واحد:
يعجز اللسان على شكر الاستاذ العربي ابوايوب على كتاباته القيمة والتموذجية
إرسال تعليق