الاثنين، 10 فبراير 2020

قراءة في قرار

إنه قرار وزير العدل رقم 3064.19 الصادر بتاريخ  29 ربيع الاخر 1441 الموافق 26 ديسمبر 2019
المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6852 الصادرة بتاريخ 4 جمادى الاخر 1441 الموافق 30 يناير 2020 والمتعلق بتحديد تعريفة أجرة أتعاب الناسخ القضائي.
الكثير من الملاحظات الجوهرية التي يمكن تسجيلها بخصوص هذا القرار لكن بعجالة سأكتفي بذكر بعضها هنا في شقين:
الأول؛ ملاحظات شكلية
1-تسمية القرار.
ربما لاحظت عزيزي القارئ منذ الوهلة الأولى في المقدمة أعلاه أني افتريت على هذا القرار من حيث تسميته، إذ قلت "أجرة أتعاب الناسخ القضائي" كما صرح بذلك وزير العدل، في حين أن التسمية التي وردت بالجريدة الرسمية هي كالتالي: "تحدد بموجبه تعريفة أجرة تضمين الشهادات واستخراج نسخها وشكل كناش الوصلات"
من خلال هذه التسمية يتضح جليا أن أسلوب التحقير والتمييز لمهنة النساخة وممارسيها هو الأصل وأنه مازال مستمرا. ومن يقول بعكس هذا أقول له  فلماذا جميع النصوص التشريعية المحددة لتعريفة جميع المهن الحرة القانونية لمساعدي القضاء الأخرى سميت باسم من يعنيهم الأمر باستثناء تلك المتعلقة بالنساخ ومهنتهم تم الاكتفاء فقط بنسب اسمها لمجهود التضمين ومجهود النسخ ومقابل ذلك ماديا من دريهمات دون ادنى اعتبار لمن خول لهم القانون تحت مسؤوليتهم القيام بذلك؟ وكأن عملية التضمين أو الاستخراج لاتتنافى مع مزاولتها من غير ذي صفة، أو أنها مسألة لمن أراد كما كان قبل قانون 49.00.
وهذا الأمر شاد جدا ولايستقيم كعنوان بأي حال من الأحوال فهو عنوان طويل ومع ذلك غير مستوف لكافة مضامين القرار لكونه أغفل  "البحث" وبالتالي لايصلح عنوانا أصلا بكل المقاييس ومع ذلك أبقى عليه، فلماذا لم يسمى فقط "تعريفة أجرة الناسخ" وهذا العيب أحد نتائج عدم إشراك الممارسين والمعنيين إشراكا حقيقيا في القرارات، مما يجعل البعض يفسره باستمرار النظرة الدونية لمهنة النساخة من قبل من هم بمراكز القرار بالمغرب على اعتبار أنه لانظير لهذا في جميع المهن الأخرى فضلا عن كون المهنة الوحيدة التي مازالت تعريفتها بموجب قرار وزاري وليس مرسوم حكومي.
2-تفصيل الاتعاب في ست عرائض
فصل القرار في الفقرة أ) حين تحديده أجرة تضمين الشهادات من خلال خمسة عرائض كالتالي: عن القسمة (مخارجة) 80 درهما، عن ملكية 80 درهما، عن بيع 80 درهما، عن إحصاء تركة 80 درهما ثم ختم كل ذلك بعريضة سادسة بقوله عن الأحوال الأخرى 80 درهما. فماهو الجدوى من هذا التفصيل ياترى إذا كانت نفس القيمة؟ ومالجدوى من التفصيل في خمس العرائض الأولى مادام ختمها بالعريضة السادسة؟
والأمر نفسه بالنسبة للفقرة ب) حين تحديد أجرة نسخ العقود، مما يدل دلالة واضحة على أن المسألة وكأنها مقصودة وبإصرار من طرف من خط القرار فباركه من أمضاه. وهنا يحق لنا أن نتسائل هل هي لامبالات أم شيء آخر؟
3-تعريفة النساخ بقرار وزاري وليس مرسوم حكوم.
سبقت الإشارة إلى أن مهنة النساخة وحدها  من بين المهن القانونية والقضائية الحرة التي تحدد تعريفة أتعاب ممتهنيها بموجب قرار لوزير العدل بدل مرسوم على غرار باقي المهن.
وهذا تكريس واضح للتهميش والدونية ونتسائل عن السبب علما أن الأمر يختلف جوهريا، ولنا عودة في الموضوع بالتفصيل في مناسبة قادمة.
ثانيا: ملاحظات موضوعية
بخصوص هذه النقطة أجزم منذ البدائية، أن ماكرسه قانون 49.00 من اعتراف بالناسخ كمهني ذو اختصاص وله حقوق وعليه واجبات، سحبها المرسوم الصادر بعده، وسحقتها القرارات الوزاية بطريقة تقنية خطيرة تضرب في العمق مبدأ احترام النصوص الأدنى للنصوص الأعلى، والقرار الذي بين أيدينا أخطرها كلها في عدة نقط أهما:
1-قيمة الزيادة
بالرجوع إلى القرارات السالفة منذ أبريل 2003 إلى الآن، وبعد ثلاث تعديلات (أبريل 2011، يونيو 2017، ثم يناير 2020) أي بعد مرور مدة طويلة وهي سبعة عشر 17 سنة يصل الناسخ إلى أن تصبح أجرته مضاعفة خمس مرات في حين أن مهن أخرى عرفت هذا التضاعف (أي خمس مرات) منذ سنة 2007 ومن المرجح أن يتضاعف على الرغم من أهميته لاقديما ولاحديثا مقارنة مع هزالة أجرة الناسخ المقهور.
وبتصفح أرشيف مطالب النساخ منذ ماقبل صدور التعديلات الأولى، فإن القرار كان أدنى من ذلك بكثير إذ المطالب المودعة من قبل تمثيلية النساخ برفوف وزارة العدل تفوق 100 درهم وكلها مبررة تبريرا منطقيا واضحا، بمعنى آخر فإن القرار لم يحقق الحد الأدنى المطلوب لأجل العيش الكريم للناسخ كي لايتوسل لأحد ليتنازل له عن بعض فتاة نسخة أو نسختين الخ، ومما يزيد الطين بلا  هو الزيادة الكبيرة غير المطلوبة في تعريفة النسخة والتي نتطرق إليها في الفقرة التالية.
2-موضوع الزيادة(ماالسر وراء الزيادة في تعريفة النسخة ومن طلبها؟)
من المعلوم أن النقابة الوطنية للنساخ القضائيين قدمت عدة مطالب وجيهة وممكنة ومستعجلة، وأما بخصوص الزيادة في التعريفة فإنها لم تطلب أي زيادة في تعريفة النسخة، واقتصرت على طلب ذلك في واجب التضمين وواجب البحث، مراعية بذلك عدة اعتبارات أهمها أن الزيادة في تعريفة النسخة من شأنه أن يثقل كاهل المرتفق، وأن واجبها كاف إذا ما أعيدت الأمور إلى نصابها وبقي دخلها خالصا للناسخ وحده، لأنه لاأساس منطقي ولاقانوني للفقرة الثانية من المادة السادسة من المرسوم رقم 2.01.2825 الذي كرس ريعا لمهنة على حساب مهنة النساخة.
وعليه نتسائل على أي أساس زاد القرار من قيمة واجب النسخة؟ وماسر تكرمه بذلك؟
بموجب هذا القرار فإن الناسخ وهو يفرح بأخذه 30 درهما زيادة في واجب التضمين المضني من جيب المرتفق عن طريق العدلين، سيكون مجبرا أن يسلم هذين العدلين زيادة قدرها 66,66 درهما مقابل توقيعهما (الشريفين) على نسخته وهو مايجعل الزيادة في الأصل ليست لمصلحة ممتهن النساخة وإنما هي لجهة أخرى باسم اختصاص الناسخ.
وأعتقد أنه إذا لم تكن هناك كواليس غير بريئة لما زيدت هذه الزيادة في واجب النسخة أصلا، أو حتى إذا زيدت لاأظنها ستكون أكبر من واجب التضمين.
 فالزيادة المهمة في واجب النسخة والتي فاقت ما أضيف لتعريفة التضمين ودون سند أو مبرر تجعل من هذا القرار ضد الناسخ لسببين: الأول أنه بعض النساخ كان يتمنى في أسوء الحالات أن يوقع نسخة مقابل تضمين، وهو مالم يتحقق لأن واجب التضمين الان هو 80 درهما في حين واجب التوقيع على نسخة شراء هو 233,33 درهم. وأما الثاني فإن هذا القرار وضع حدا للمساعدات والمرونة التي كانت سائدة بين جل ممارسي التوثيق العدلي من نساخ وعدول حينما كان بعض الأخيرين يتعففون على أخذ واجب النسخة لضآلته، أما الآن فستفتح شهية غالبيتهم لأخذه مما سيقلص دخل الناسخ بدل تحسينه، وربما سيؤجج الصراع والاصدام، وسيخلق جوا من الشحناء الذي لايخدم مصلحة المرفق ولاالمرتفق.
وخلاصة القول؛
هل وزارة العدل رفعت أجرة الناسخ حقيقة؟
هل وزارة العدل فعلا تسير نحو "الاستقلال الوظيفي واحترام الاختصاصات" التي صرح بها وزير العدل بالبرلمان؟
إن الواقع المعيش بالنسبة لمهنة النساخة خلاف ذلك تماما، وإن القرار الأخير لوزير العدل خيب آمال النساخ والناسخات، فلايعقل أن تجف حناجرهم مدة طويلة كي يرمى لهم بالفتات، ولايعقل أن لايكون هذا الفتاة إلا بعد مد وجزر وتقديم وتأخير يؤثر سلبا على مصداقية المرفق العمومي واستمارية الإدارة. ولا يعقل أن تستمر وزارة العدل في أسلوبها القديم مع النساخ فتأخذ منهم ماسبق أن أخذوه وتجود به على مهنة أخرى ليست البتة في حاجة إلى فتاة مهنة النساخة، ولا إلى مايترتب عن النسخة من تبعات ومسؤوليات بل وفي كثير من الأحيان متابعات لم ولن تغطي عائداتها حتى مصاريف التنقل اثناء التحقيق.
وخلاصة الخلاصات:
متى إصلاح مهنة النساخة أو متى إقبارها؟
أما ممارسوها فإن تقدم أعمارهم، والأمراض التي ألمت بهم، وخيبة آمالهم، جعلت أغلبهم لافرق عندهم بين الحياة والموت.
توقيع العربي أبوأيوب