أعلنت وزارة العدل على لسان وزيرها خلال
مطلع سنة 2019 وأمام نواب الأمة عن تصحيح وضعية النساخ، ونشرت عدة منابر إعلامية
أن وزارة العدل قد رفعت أجر ممتهني النساخة، كان ذلك بالضبط أيام احتدام الحوار الاجتماعي
بين النقابات والحكومة ولانعرف من كان وراء هذا الترويج ولاالهدف منه بالضبط.
لكن للأسف لم تكن المرة الأولى التي
يتلقى فيها النساخ الوعود الكاذبة، ولم تكن المرة الأولى التي تداع فيها عبارات
رنانة (بصيغة الماضي) تتعلق بإصلاحات مهنة قضائية اسمها النساخة عبر وسائل الإعلام،
وأيضا ليست المرة الأولى التي استقبلتُ فيها عبارات التهنئة من المهتمين
والمتتبعين للشأن القضائي بشكل عام والشأن النساخي بشكل خاص.
فلماذا هذه الاستجابات الشفوية الفورية
لمطالب النساخ؟ وإلى متى ستظل مهنة النساخة بعيدة عن كل إصلاح حقيقي؟ وماذا عن
المستقبل المرتقب؟
منذ البداية وبشكل موضوعي محايد أؤكد بما
لايدع مجالا للشك أن النساخ أصحاب حق مهضوم، وكل إنسان ولو عادي يطلع على حيثيات
ممارسة مهنة النساخة ووضع ممارسيها يقول حتما اللهم إن هذا منكر، فكيف لمن في مركز
القرار أن لايقول ذلك، وهذا هو السبب
الحقيقي في كل تلك الاستجابات التي مافتئ النساخ يتلقونها منذ زمن سحيق حتى
منذ أن كانوا يمارسون المهنة داخل المحكمة وبدون أي إطار قانوني، ونفس الشيء حتى
الآن وبوجود ذلك القانون الذي لم يفعل شيء سوى كونه صاغ تلك الوضعية المزرية في
نصوص سماها قانون رقم 49.00
عيب وعار أن الناسخ كان يترك عمله
ويذهب للرباط للنضال والمطالبة بتأطيره بقانون قبل سنة 2000 علما أنه يمارس عمل
خطير وحساس داخل أروقة المحاكم المغربية.
وعيب وعار أنه بعد ذلك ومنذ 2004 وإلى
الآن يذهب للرباط ويعلن إضرابات ثم إضرابات من أجل أن تكون له أجرة محترمة تساير
الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتتناسب ومسؤوليته الجسيمة من جهة ومجهوده وأتعابه من
جهة أخرى.
قد يقول قائل ليس للناسخ أي مسؤولية؛ فباخصار
أقول فلماذا التوقيع إذن. وقد يقول آخر مهام الناسخ تتلخص في التضمين؛ أقول زُر أي
ناسخ وحدثه عن السجلات وكيفية الحصول عليها وطبعها وترقيمها والسهر على توقيعها من
طرف العدول والسهر على توقيعها من طرف السيد القاضي والسهر على فتحها وختمها
وحفظها ومراقبتها قبل ذلك وبعد ذلك زد على ذلك معانات العاملين بالمراكز الذين
يعانون الأمرين وقد يضطرون للتنقل من أجل كل ذلك الخ ناهيك عن الحالات الاستثنائية
التي حدث ولاحرج.
باختصار عاصر النساخ ولاحظوا عدة
إصلاحات على أرض الواقع لعدة مهن حرة قانونية دون أن تكون لمهنتهم أي التفاتة
حقيقية؛ وعليه فإنه يعتبر شيء عادي جدا أن يكون التعاطف، لكن ماقيمة التعاطف الذي
يبقى سرابا؟ وماقيمة الوعود التي تذهب جفائا؟ وماذا عن الزيادات في أجر الناسخ
التي تبقى فقط كلاما؟
صحيح قد تكون هناك إكراهات وعلى رأسها
أن المسؤولين حائرين بين قراري إلغاء مهنة النساخة المستعصي وبين الإبقاء عليها
بشكلها الحالي المستحيل، لكن هذا لايعتبر البتة مبررا لعدم إصلاح الوضع الحالي وإصلاح
الوضع الاجتماعي لأزيد من ستمائة أسرة محكوم عليها بالموت البطيء في انتظار
ماسيستجد وعندها لكل حادث حديث.
إن رحيل أوجار دون أي جديد خلف حالة
نفسية سيئة غير مسبوقة لذا جميع النساخ والناسخات القضائيين بالمحاكم المغربية،
لأنه استطاع أن يمتص الغضب الذي تولد لديهم من طرف سابقه الأستاذ الرميد بصيغة
جديدة هادئة جعلتهم ينتظرون تصحيح أخطاء الرميد ووعوده الكاذبة قبله، لكنه سار على
منواله وأكد لهم على أن تسويفات النساخ وإهمال مهنتهم نهج وزارة العدل برمتها وهو
الأمر الذي يستشف من خلال تصريحات المسؤولين الإداريين بها، فإلى متى المعانات
وإلى متى تهميش مهنة قضائية وتهميش ممتهنيها والاستخفاف بالمسؤوليات؟
إن الإعلان عن إضراب يومي 15 و16 لن
يكون إلا إعلانا عن بداية انتفاضة واحتجاج مواطنين شعارها المطالبة بإصلاح مهنتهم،
وأول هذا الإصلاح مطلبهم الاستعجالي المتمثل في الزيادة في التعريفة بما يتلاءم مع
العصر مع الأخذ بعين الاعتبار وضعية العاملين بالمراكز بإيجاد حل لهم كتخصيص تعويض
لهم يصرف من ميزانية وزارة العدل مثلا، وفي كل الأحوال حوار جدي ومسؤول مع ممثلي
هذه الشريحة وإنزال نتائجه على أرض الواقع...
توقيع العربي أبوأيوب