الجمعة، 15 فبراير 2013

السياسة الجنائية رؤية مقارنة على ضوء ندوتي فاس ومراكش


بسم الله الرحمن الرحيم  
بقلم: عزيز المردي رئيس الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين
عضو الهيئة الوطنية للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة
    نسعى في هذه المرافعة المقارنة إلى التدقيق في مجموعة من المفاهيم ثم تحديد رؤية تصورية للسياسة الجنائية بمنهج مقارن باعتبارها سياسة عمومية للدولة هدفها مكافحة الجريمة. وتتكون هذه المقاربة المقارنة من العناصر التالية :
ü   تدقيق في تحديد المفاهيم
ü   مكونات الرؤية التصورية للسياسة الجنائية
·      المرجعية التشريعية( دين الدولة و المواثيق الدولية)
·   المنطلقات الأساسية كمحددات موجهة للتشريع والتقنين الجنائي وضابطة لصيرورته:
1.   قوة الردع وآلية تكثيفها وتشديدها.
2.  شخصية العقوبة
3.  تناسب العقوبة مع الفعل الجرمي. 
4.  التماثل بين العقوبة والفعل الجرمي.
5.  عدم الإفراط في التجريم وتضييق مساحة العفو.
6.  عدم التمييز.
7.  تطبيق المقتضى التشريعي والقانوني معلق ومناط بتحقيق مقاصده
8.  لا إنسانية في جرم وبالتالي فلا تساهل  في عقوبة 
9.  الدقة والوضوح في المقتضيات القانونية والتبسيط  في المساطر
10.تسهيل ولوج المواطنين للقانون ودورهم الحمائي.
·      الأهداف أو المقاصد الكلية للسياسة الجنائية 
·   القواعد الكلية للإثبات (وسائل وإجراءات ) في إطار ضمان الحقوق والحريات  
·      خلاصات

ü   تدقيق في تحديد المفاهيم:
   عرفت "مجلة الشؤون الجنائية" السياسة الجنائية في عددها الثاني الصفحة 98 بكونها :"الوسائل الزجرية التي تستخدمها الدولة لمكافحة الجريمة ...وهي تتميز بكونها :
1ـ سياسة عمومية للدولة هدفها مكافحة الجريمة
2ـ تعتمد الوسائل الزجرية لتحقيق أهدافها
وهي إما إجراءات تشريعية وقانونية زجرية  أو تدابير تنفيذية للأدوات التشريعية الزجرية ."
   إلا أن السياسة الجنائية أشمل من أن تختزل في تدابير أو وسائل إجرائية ، كما حددها التعريف السابق. بل هي رؤية تصورية تستند على مرجعية تشريعية واضحة ،ومنطلقات أساسية موجهة وضابطة للإجراءات التشريعية والقانونية، وأهداف بينة ووسائل وتدابير تنفيذية ناجعة. وغياب هذا المفهوم جعل الإنتاج الجنائي معيبا، منه ما حدد في الصفحة 134 من المجلة المشار إليها:
1)    تشتت المادة الزجرية
2)   الإفراط في التجريم 
3)    تضارب النصوص القانونية
  ينضاف إلى ذلك عدم بلوغ الأهداف المرجوة إذ يتم الإقرار بتضخم القضاء الزجري، كما تتضخم المعالجة المستندة إلى المزيد من الإجراءات والتدابير مما يولد التعقيد والبطء، فتتآكل الحقوق والحريات الإنسانية فحماية المتهم مثلا من التعسفات ومراعاة الشروط الإنسانية للسجين أوصلتنا إلى الإجحاف في حق الضحية. وعدم الأخذ بمنهج عمل مستند إلى رؤية ومنطلقات أفرغ العقوبة من مقصدها الردعي  فأضحت الجرائم في تصاعد، وحالة العود في تزايد .
   ومن التعاريف الواردة في المجلة،تعريف العدالة الجنائية ب: "التحري عن الجرائم وإثباثها والبحث والتحقيق والحكم فيها، وتنفيذ العقوبات الصادرة بشأنها."ص12
إلا أن التعريف أعلاه أقرب إلى المسطرة الجنائية،أما العدالة الجنائية فهي على مايبدو الإرتكاز الصحيح على المرجعية والإعتماد السليم على المنطلقات والتحقيق الدقيق للأهداف بوسائل مشروعة، فلا خروج عن القانون أي الإنضباط للمقتضيات الدستورية و القانونية والقواعد التشريعية في المراحل كلها. وأما الحكم بالعدل والإنصاف فهو القصد من كل ذلك والتنفيذ قوامه
 وأما مفهوم التجريم حسب نفس المجلة ف: إضفاء الحماية الجنائية على مصلحة معينة... واعتبار كل فعل (أو امتناع) يمس بها (المصلحة) جريمة يعاقب عليها بعقوبات زجرية."ص 133
     في حين أن مفهوم التجريم، يشمل إضفاء صبغة المصلحة فتجلب وكذا المفسدة أو المضرة فتدفع، ويطرح إشكالات ينبغي تعميق النقاش حولها: ما هي أسس تحديد المصلحة ؟؟ و ما المخرج عند تضارب المصالح أو امتزاجها بمفاسد؟؟ وما العمل إذا صارت الإجراءات والتدابير القانونية في ملابسات معينة غير محققة للصبغة المصلحية (الكتاب الخامس أو قانون الإفلاس مثلا ؟؟ هل ننتظر سنوات للتعديل ؟؟ ما هي أسس إضفاء المصلحة في بيع الخمور والتبغ مثلا ؟ كيف نخرج من تداخل مصلحة البيع والربح تنمية لمداخيل خاصة أوعامة ومفاسد: الإجرام ، التفكك أسري ،والعنف ضد الأصول أو الفروع تحت تأثير المخدر، حوادث السير، تعطيل القدرات العقلية للشباب خاصة ،التكلفة الإجتماعية والإقتصادية لكل ذلك ...؟؟؟
   كما أن تقوية مداخيل الدولة بفرض ضرائب مصلحة ، والتملص الضريبي جرم ، وفرض الزجر وتشديده في ظروف معينة عن التملص يؤدي إلى جرائم أكبر : تهريب رؤوس الأموال ، تهديد الإستقرار ، إنهيار إقتصادي...  ما العمل علما أن التملص الضريبي من العيار الثقيل ووباء ينخر أركان الدولة ببطء؟؟
  الإمتناع عن أداء الغرمات أو إهمال الأسرة جرم ولكن هل الإكراه البدني يحقق استيفاء الحقوق وهل له قوة ردعية فعلا؟
ü  السياسة الجنائية رؤية تصورية :
·      مرجعية السياسة الجنائية (دين الدولة والمواثيق الدولية):
  إن المادة السادسة من الدستور،كقاعدة كلية، تقر أن الإسلام هو دين الدولة. وعليه فالمشرع أخرج مفهوم الإسلام من التدين الإنفرادي إلى مفهوم أشمل يؤطر مناحي الحياة للدولة ومؤسساتها، وهذا إقرار بمعطى واقعي وتاريخي للأمة. وعليه فالتشريعات والقوانين لا بد وأن تراعي مقتضى هذا الفصل في التشريع، وسن القوانين  تفعيلا لمقتضى دستوري.
   كما أن الإشارة في المادة إلى ضمان الدولة "لكل أحد حرية ممارسة شؤونه الدينية" لا يتعارض مع المقتضيات التشريعية للإسلام بل يتماشى معها "لا إكراه في الدين" الأية "قل كل يعمل على شاكلته" الآية. وعليه تم التنصيص على أن اليهود المغاربة "تسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية". (مدونة الأسرة الفقرة الأخيرة من المادة 2)
   ثم إن المواثيق الدولية الجنائية بما تمثله من خلاصات مهمة لتجارب إنسانية ، تجد مكانتها إلى جانب التشريع الإسلامي الذي يضع مبادئ عامة و قواعد كلية تجمع بين الثبات والمرونة ويترك مساحات كبيرة لاستعمال التدبر والاستبصار مما يمكن من استعاب الاجتهادات الانسانية والتدابير المعتبرة المتخذة(المواثيق الدولية الجنائية) لحماية مصالح الناس وحقوقهم على مر الأزمنة واختلاف الأمكنة من حيث آليات مكافحة الجريمة وتحقيق العدالة تحريا وحكما وضمانا للمردودية تنفيذا. وإن المقصد العام للشريعة :"تحصيل المصالح و توسيعها وتقليل المفاسد وتعطيلها، وأنها ترجح خير الخيرين باحتمال فوات أدناهما ، وشر الشرين باحتمال تحمل أدناهما" (ابن تيمية في كتابه الفتاوى)
وهذا المقصد هو ديدن البشرية جمعاء جنائيا إلا أن الإشكال يكمن في عملية سبر وإفراز وإضفاء صبغة المصلحة حقيقة لا توهما وحول مقدار العقوبات الزجرية، ومناطها ومحلها وليس حول المقصد العام.
·    منطلقات أساسية للسياسة الجنائية :
      يمكن إجمال المنطلقات الأساسية من خلال استقراء متواضع ، لا ندعي فيه الشمول، لمنهج التجريم وتأصيل العقوبات في الشريعة الإسلامية فيما يلي ،مع التأكيد على تطابقها في كثير منها مع القانون الوضعي لكن يختلفان في الآليات والإجراءات، و بالتالي في المحصلات :
1. قوة الردع وآلية تكثيفها وتشديدها:
   وهي مطلوبة لتحقيق مكافحة الجريمة، كآلية وقائية وحمائية للمجتمع من تفريخ الجريمة بل وتحجيم مجرد التفكير فيها كخيار "للمصالح" أو كاسترداد للحقوق غصبا أو كانتقام يشفي الغليل.
وإذا كانت العقوبات بالقانون تتمحورـ أساسا بعد توقيف تنفيذ الإعدام في أفق شطبه!!! ـ حول سلب الحرية: اعتقالا أوإكراها بدنيا، و الجزاءات والغرامات المالية،مع وضع سلم للتشديد والتخفيف على أساس التكييف مع الجرائم حجما وعمقا. فإننا نسجل باستمرار الخفوت المتزايد لقوة الردع لهذه العقوبات، وتزايد منسوب الجريمة ليس وطنيا فحسب بل ودوليا. وأصبحت لها تمظهرات متجددة ومعقدة،بل تصبح العقوية مغرية لارتكاب مزيد من الجرائم إذا كانت عائدات الجرم أكبر من محصلة العقوبة.
   إلا أن الشريعة تميل لتحقيق قوة الردع بجعل مناط العقوبة على الأبدان في أهم العقوبات (النفس بالنفس، حد السرقة، حد الزنا،حد شرب الخمر، حد قذف المحصنات.... لأن الناس أكثر استعدادا لدفع الأضرار عن الأبدان منه عن غيرها. ولكون محل الحكم منضبط في جميع الأحوال والتباينات الإجتماعية. كما يضمن عدم تضارب الأحكام في النازلة الواحدة،ويضع حدا للاستعمال السيئ لظروف التخفيف والتشديد.
وبلغت قوة الردع لمثل هذه العقوبات أن البعض يتحرج حتى من التداول في إمكانية ومدى جدوى تطبيقها. ثم لا بد من التأكيد أن الشريعة تقوم بعملية  التكثيف والزيادة في قوة الردع عن طريق مسار غير مسار التشريع وهو المسار الإعتقادي النفسي فلم تقف عند حد عقوبة النفس بالنفس مثلا وإنما زادت" ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما" سورة النساء الآية92 إضافة إلى كل صور التنكيل والعذاب في الدار الآخرة للزناة والمخمورين والظالمين والمفسدين والمنتهكين للأعراض والأسرار وخائني الأمانات و المخلي بالمسؤوليات ...الخ والتي  لا يسمح المقام لبسطها هنا. ونستنتج من خلال هذا كيف تتكامل وتتناغم سياسة التجريم تشريعا والبعد الأخروي الغيبي عقيدة لإنتاج قوة الردع بجودة أعلى. ومن حق البعض أن يتخوف لأنه ينظر إلى صورة تنفيذ العقوبة المعلن و لا ينظر إلى بشاعة الجريمة في تفاصيلها ومشاهدها لأنها  تحدث غالبا بتستر، ولكن التخوف يزول حينما يعلم أن قصد الشارع بالأساس هو الردع ثم الردع ثم الردع وليس التطبيق الحرفي العملي  لتلك العقوبات وذلك من خلال :
ـ  المجهود التربوي الإستباقي المرتكز على طاعة من لا تاخذه سنة ولا نوم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وشدة عقابه عن الجرائم والآثام وجزيل عطائه عن الإندماج الايجابي قي الحياة العامة واستباق الخيرات.
ـ توليف المسببات والمقدمات المفضية إلى الجريمة برزمة من الموانع الأدبية والأخلاقية، وربط قبول القربات والعبادات بمدى تحسن وايجابية علاقة الفرد بمحيطه:إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها على خلقي ورحم المرأة ورحم اليتيم والمسكين" حديث  قدسي. والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرت عنده امرأة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وقيامها(النوافل) ولكن تؤذي جيرانها قال: هي في النار والأقل منها تعبدا لكن تتصدق بالجبن قال: هي في الجنة
ـ التشديد في قواعد الإثبات كما سنوضح لاحقا.
ـ ربط بعض العقوبات بإمكانية اللجوء إلى خيارات بديلة كالصلح والصفح والدية (تعويض) وتحرير الإنسان من الرق والعبودية وسلك مسلكه بعدة محفزات دنيوية وأخروية، تماشيا مع سياق الآية" والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له". " ومن قتل مومنا خطأ فتحرير رقبة مومنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا" سورة النساء الآية91  وهنا بلغة العصر إنتصار للحرية الشخصية جنائيا. واليوم ألا نلجأ جنائيا إلى خيارات بديلة لتحرير رقبة الإنسان وخاصة الأرامل والأيتام والعجزة والأطفال وكل من هو في وضعية صعبة من أغلال وضع الهشاشة والعجز عوض سلب الحرية التي لا تنتج إلا تفكك أسر وسجناء محطمين نفسيا إن لم يعدوا مجرمين وأجسام متهالك صحيا ومتعبة ذهنيا؟؟
   وهنا نؤكد أن قوة الردع كلما كانت أقوى دفعت الجاني إلى البحث عن الخيارات البديلة ترضي الضحية بفاعلية أكبر. والضحية يكون أقرب إلى العفو والصفح لأننا بقوة الردع للعقوبة أضعفنا في نفسه الشحنات والانفعالات النفسية الدافعة للحقد والإنتقام والتوتر. كما أن تدخل المجتمع المدني يكون أقوى مستثمرا الوشائج والروابط العائلية والمجتمعية. وإضعاف منسوب الردع يضعف فاعلية الجاني في طلب الصلح، ويزيد من توترات وانفعالات الضحية طلبا للإنصاف المقنع.
ـ التحفيز على ستر العيوب وعدم تتبع العورات
2.         شخصية العقوبة:فلا يؤخذ أحد أويعاقب بجريرة آخر"و لاتزر وازرة وزر أخرى"الآية
3. تناسب العقوبة مع الفعل الجرمي، فلا يكون التخفيف في غير محله ولا التشديد في غير موطنه ، ولا تكون العقوبة أهون من الجرم.
4. التماثل بين العقوبة والفعل الجرمي: وهنا تكمن قمة العدل والإنصاف ليس للضحية فحسب ولكن للجاني نفسه فلا تتجاوز العقوبة في آثارها آثار الجريمة وعواقبها. إن مبدأ التماثل أعلى مراتب العدالة والإنصاف للضحية ،إذ هناك جرائم لا تجبر بتعويض أو سلب حرية، ولا تنصف الضحية إلا بالتماثل " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأذن بالأذن و السن بالسن والجروح قصاص" ومجرد إقراره يحقق الردع بقوة ويحقق الأمن الإجتماعي وهو المقصد من كل السياسات الجنائية ،وفي هذا ضمانة إلهية " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" عكس ما يتصوره البعض من أنه يشل المجتمع
5.  عدم الإفراط في التجريم وتضييق مساحة العفو ف"الأصل في الأشياء الإباحة" في المعاملات كما أقرت القاعدة الأصولية.
6. عدم التمييز عرقيا إثنيا، جنسا، طبقيا أو بين عوام وخواص فقد قال صلى الله عليه وسلم:والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
7.  تطبيق المقتضى التشريعي معلق ومناط بتحقيق مقاصده، وهنا نستحضر القاعدة:"إذا كانت مفسدة الأمر أو النهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به ، وإن ترك واجب وفعل محرم .إذ المرء عليه أن يتق الله في عباده وليس عليه هداهم" وهنا انتصار لمقاصد المقتضى الجنائي رغم مصدر الأمر أو النهي الإلهي على ما قد يتشبت به المتطرفون من أولوية البعد الإيديولوجي (حمل الناس على "الهدى").
وقاعدة:"تدرأ الحدود بالشبهات "الحديث  ،. و بالتالي تعلق العقوبات في الظروف الإستثنائية. كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الجفاف (عام الرمادة)
8.  لا إنسانية في جرم وبالتالي فلا تساهل في عقوبة ولا مجال لإفراغها من قوتها الردعية بدعوى الأنسنة مع التشديد على ضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة. مع مراعاة قنوات تصريف العقوبة إلى بدائل كما أسلفنا في شرح منطلق قوة الردع ضمانا لمحدودية التطبيق ولما لا انعدامه.
9.  الدقة و الوضوح في المقتضيات القانونية والتبسيط في المساطر: فالشريعة الإسلامية تروم إلى إصدار العقوبات بألفاظ قطعية الدلالة أي معنى واحد لا يقبل التحوير أو الـتأويل :"النفس بالنفس، التحديد العددي للعقوبات....الخ مع التنفيذ الفوري وسهولة تكييف الجريمة من عموم المواطنين .
10.    تسهيل ولوج المواطنين للقانون ودورهم الحمائي: فالعقوبات في الشريعة نصوصا يتعبد بها تلاوة و يجازى على ذلك بكل حرف حسنة. وفي هذا تعميم للمعلومة الجنائية ،وبذر قدسيتها في النفوس مما يسهل إجراءات التنفيذ ....
·   الأهداف الكلية للسياسة الجنائية:
ويمكن حصرها في:
ـ حماية الحقوق والحريات
ـ تأمين المصالح ودفع الأضرار
ـ الحد من الجريمة ومحاربتها
وتبعا لهذه الأهداف تتحقق أخرى منها الأمن الإجتماعي و النماء اللإقتصادي
·      الوسائل وهي:
أ‌)     التشريعات والقوانين
ب‌) القواعد الكلية للتحري والإثبات وفق التشريع والقانون مع الإستعانة بكل الوسائل الحديثة المساعدة. وكما أسلفنا فإن الشريعة تميل إلى التشديد في التحري والإثبات قال تعالى"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا. و أولئك هم الفاسقون" سورة النور الآية 4
وهنا نسجل أربعة شهداء يتعسر إحضارهم إلى مسرح الجريمة للمبالغة في التستر ويقع في غرف مغلقة. العقوبة الجلد ثمانون.حصار اجتماعي "ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا". التلميح إلى ما يترتب عن الفسوق في الدار الآخرة من عقاب.وفي كل هذا ردع وتشديد كي لا يفسح المجال للظنون والشكوك والعبثية لتدمير العلاقات والمصالح. وحتى لا تصبح تهمة الزنا سلاح تصفية حسابات. وحتى تصان الحقوق والحريات. ولوضع حد للفضوليين اللذين يتتبعون عورات الناس وسقطاتهم. وللمزيد من التشديد في قواعد الإثبات قال تعالى :"و لاتجسسوا" ....
ت‌)  الملاعنة أو اليمين في بعدها التربوي والعقدي كخيار بديل ونهائي عند توقف واستحالة تطبيق الإثبات عوض ما يميل له البعض من ترجيح قول طرف دون الآخر في خرق سافر لقواعد العدل و الإنصاف من الاستماع الطرفين والاجتهاد في ايجاد قرينة مرجحة ,
"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"الحديث النبوي
"و الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين".سورة النور الآية9
وهنا نسجل أن لا تمييز  جنسا في هذا المقتضى
·      خلاصات :
1.   إن هذه المرافعة لا تعدو أن تكون مجرد إثارة لمجموعة أفكار تتطلب مزيدا من النقاش والتحليل والنقد. وأتوجه بالشكر إلى كل من كان سببا في إطلاق الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة ،لأن ندواته كانت بحق مدرسة تكوين وتأهيل و تفاعل حقيقيين.
2.  مما سبق يتبين أن الشريعة وإن كانت تلتقي مع القانون الوضعي،في مجموعة أهداف ومنطلقات إلا أنها تتميز بعدة مميزات أهمها :
ü     القدرة على تحقيق قوة الردع بعمق ،وضمان التكثيف والزيادة فيها بمسارعقدي أخروي.
ü     القدرة على الحفاظ و ضمان قوة الردع  إلى جانب خيارات بديلة تدفع إلى محدودية ايقاع العقوبة بعكس القانون الوضعي الذي يبقى متأرجحا في تدبدب بين قوة الردع وخفوتها وهي إلى الخفوت أميل.
ü     استثمارالعائدات العقدية والتربوية التعبدية والأخلاقية في رزمة متكاملة ومنسجمة في محصلة السياسة الجنائية مما يخفف عنها العبء، ويزيح عن كاهلها التعقيد. في حين أن الوضعي يعاني من تضارب جميع المسارات الأخرى السالفة الذكر وعدم انتظامها في سياق تكاملي مع السياسة الجنائية بل منتجة للعوائق.
ü      إعطاء ديناميكية أكبر للسياسة الجنائية في العمق الإجتماعي من حيث تعميم المادة جنائية في قدر كبير منها باعتبارها قرآنا يتلى آناء الليل وأطراف مع التأكيد على أهمية التدبر"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"الآية  وجزيل العطاء بكل حرف حسنة ....
ü     الجمع بين التشديد في القواعد الكلية وإطلاق ديناميكية وفاعلية فيها." ولا تكتموا الشهادة"الآية "الساكت عن الحق شيطان أخرص" الحديث. وجوب نصرة المظلوم ليس عراكا كما يتصور البعض وإنما بالمساندة في المجال الجنائي  وحجز الظالم عن ظلمه....الخ
في حين أن الوضعي أفرز امتهانا لشهادات الزور ، وتسجيل عدد كبير من القضايا التافهة والأقل أهمية.
تم بحمد الله بتاريخ
4ربيع الثاني 1434
موافق15فبراير2013