الأمر الذي حملني على كتابة موضوع عن الأمازيغية هو أولا حكم
الزمالة والصداقة الطيبة التي تجمعنا بإخواننا النساخ المنحدرين من المناطق
الأمازيغية ، وثانيا أنني بمجرد أن أذكر الأمازيغية أتذكر معاناة بعض الزملاء
النساخ الذين لا يُجيدون اللغة الأمازيغية وتم تعيينهم في بعض المناطق الناطقة باللهجات
الأمازيغية ووجدوا صعوبة ما بعدها صعوبة في التأقلم مع السكان المحليين والتواصل
مع المواطنين والمتقاضين ، والأمر الثالث والذي إسترعى إنتباهي مؤخرا هو تلك
التحركات الدؤوبة في السنوات الأخيرة للجمعيات والفعاليات الأمازيعة التي تتبنى
الدفاع عن الهوية واللغة وتسعى لترسيخ مبادئها وفرضها على المؤسسات الإدارية ، بحيث
أصبحنا نسمع كثيرا بالمطالب الداعية لتنزيل الأمازيغية لغة وهوية على أرض القضاء ،
من هذا المنطلق وبما أننا نساخ نشتغل جنبا إلى جنب مع زملائنا الأحرار المنحدرين
من الأقاليم الناطقة بالأمازيغية ، وفينا من يشتغل بعقر دارهم ، إرتأيت تخصيص هذه
الورقة التعريفية المتواضعة للحديث عن الأمازيغية كمفهوم وهوية ، وكلغة لسانية وعلاقتها
بمؤسسة النساخة .
أولا وقبل كل شيء دعونا نشرح الكلمة إصطلاحا ، فأمازيغ تعني
الرجل الحر ، وأمازيغن هو الشعب الأمازيغي ، وتامزغا هي أرض الأمازيغ وتمتد من
ليبيا إلى جزر الكناري (لغتهم تامزيغت وتتفرع إلى 11 لهجة في المغرب العربي)
والكتابة الأمازيغية هي بحروف تيفيناغ المكتشفة رسوماته القديمة حوالي 1500 قبل
الميلاد ، وقد خرج المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بكتابة عصرية لتيفيناغ حاول
بها استيعاب مجمل الحروف التي تستعملها مختلف اللهجات نال بها إعتراف منظمة
الأيسوا ، وقد أولى صاحب الجلالة ملكنا محمد السادس نصره الله عنايته واهتمامه
بالأمازيغية منذ خطابه الملكي السامي 30 يوليوز 2001 ، ومن خلال إنشائه المعهد
الملكي للثقافة الأمازيغية بموجب الظهير الملكي الشريف رقم 299.01.1 الصادر في 29
رجب 1422 موافق 11 أكتوبر 2001 يقتضي بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المحدث
والمنظم لإختصاصاته ومجال إشتغاله .
من أهم مميزات الهوية المغربية تعدد الروافد التاريخية
وتأثيرات التيارات الفكرية والثقافية على مر العصور ، فالمغرب تطور في إطار صيرورة
تاريخية حبلى بالتنوعات النابعة من تلاقحه مع مختلف الحضارات التي وفدت على المغرب
وإستوطنت في أرضه ، وكان إنفتاح المجتمع المغربي القديم على الحضارة العربية
الإسلامية مثالا على التعايش والإندماج وكان من نتائج ذلك تحول لسان سكان المغرب
من لغتهم الأصلية الأمازيغية القديمة إلى سيادة اللغة العربية لغة القرآن الذي سكن
في قلوب الجميع بسلاسة وانسجام ، ومع ذلك بقيت بعض اللغات أو اللهجات الأمازيغية
راسخة في بعض مناطق المغرب مع وجود إختلافات كثيرة فيما بينها فخلق ذلك تنوعا
ثقافيا ولغويا في المغرب ، وإذا كان إستعمال العربية هو المهيمن في المغرب فإننا
نجد أن هناك إستعمالات محددة جغرافيا للغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها في بعض المناطق
في الشمال والجنوب والأطلس ، مع ما يشكله ذلك من عائق في وجه الموظفين المعينين
هناك من التواصل مع أبناء المنطقة .
وإذا كان الدستور المغربي الجديد في فصله الخامس قد حافظ على
اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد فإنه أضاف إليها ولأول مرة في التاريخ اللغة
الأمازيغية كلغة رسمية ثانية بإعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة ، وهذا ما جعل
الامازيغيين (تسايرهم في ذلك مجموعة من الجمعيات الحقوقية) يطالبون باستحضار هذا المعطى
الدستوري الذي يتطلب وضع الأرضية لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة
باعتبارها لغة رسمية ، فمن المسلم به أن المواطن الأمازيغي (والذي لا يُتقن
العربية) له الحق في ولوج العدالة والتواصل بلغته الرسمية التي لا تتنافى مع
الدستور ومع القواعد الإنسانية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان العالمية ، على
إعتبار دورها المهم في التنمية وفي استمرار السلطة القضائية في أداء خدماتها
بالمناطق السائدة فيها الأمازيغية وهذا بالأكيد يقتضي بالضرورة أن يكون التواصل
باللغة الأمازيغية الشيء الذي سيعيد الإعتبار للقواعد العرفية ويفسح المجال
لإمكانية دمجها داخل النسق القانوني الوطني .
إن هذه المقاربة الموضوعية تقتضي إتخاذ مجموعة من القرارات
الجريئة لتكريس واقع المغرب المتعدد داخل جهاز العدالة ومنها ضرورة إعادة النظر في
الترسانة القانونية ، وهذا لن يتم إلا باعادة النظر في برامج التكوين داخل مؤسسات
ومعاهد التكوين المرتبطة بقطاع العدالة ومنها المعهد العالي للقضاء وذلك بإدماج
اللغة الأمازيغية في منظومة التكوين واشراك المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، بل وينادون أيضا بان يكون موظفوا العدل
وغيرهم ملزمون بالتواصل مع مكونات الثقافة المغربية ومنها الثقافة الأمازيغية ، ويطالبون كذلك بادماج الأمازيغية
في مصالح الضابطة القضائية ومصالح تكوين الشرطة القضائية بالشكل الذي يجعلهم
يستطيعون التواصل مع الناطقين بالامازيغية وكذلك الشأن بالنسبة لإدارة السجون مما
يسمح باعادة الإدماج للجانحين من الأمازيغ .
ولعل من الإنتظارات المطروحة على المعنيين بمشروع الحوار
الوطني مقاربة تحدي إشكالية تنزيل مبادئ الدستور المغربي الجديد ومن ضمنها مبدأ
الإعتراف والإقرار بادماج الامازيغية في قنوات ودواليب الدولة إسوة بوجودها
التاريخي بالمجتمع المغربي ، وباعتبارها تكريسا للتعددية اللغوية بالمغرب العتيق ،
وعلى هذا الإعتبار ومن منطق ومنظور الحركات الأمازيغية يتعين على هيئة الحوار
الوطني إستحضار ضرورة أن تتخذ الدولة تدابير فعالة لضمان حق الأمازيغية كلغة رسمية
(بجميع لهجاتها الريفية والشلحية السوسية والحسانية والزيانية) وضمان حق المغاربة
الناطقين بها في فهم الإجراءات السياسية والقانونية والإدارية وضمان تفهم وضعهم في
فهم هذه الإجراءات بلغتهم الرسمية ، ويشكل معرفة اللغة الأمازيغية ركيزة لتحصين
الهوية والذاث والشخصية ، والدفاع عنها يضمن استمرارها ويحفظ لها مكانتها بين
الأمم لقول إبن خلدون " غلبة اللغة بغلبة أهلها " ومنزلتها بين اللغات
صورة لمنزلة دولتها بين الدول ، إن تنزيل التعددية اللغوية المنصوص عليها في
الدستور رهين بمسلسل الإصلاح وبما ستؤول إليه الأوضاع بعدها لادماج الامازيغية في
العدالة وحفظ حقوق المواطنين الامازيغ من الضياع .
يجعلني كل هذا أتسائل في قرار نفسي عن الوضعية التي سيكون
عليها السادة النساخ حين تطبيق هذه المقترحات (مع كامل إحترامي وتقديري للأمازيغية
والأمازيغيين) ، هل سنُضَمّن مثلا العقود بالأمازيغية ؟ أم سيعاد إنتشار السادة النساخ
حسب أصل كل واحد منهم مع مراعاة مدى إتقانه للأمازيغية ؟ أوسُيعلن عن مباراة جديدة
تشترط الإلمام بالأمازيغية ؟ أم ستكون هناك دورات تكوينية لتدريس اللغة الامازيغية
للنساخ على حساب وزارة العدل والحريات ؟
وختاما ندعو الله أن يعيننا على تحقيق التوافق بين
قيمنا العليا ، بصفتنا كلنا مغاربة لنا تاريخ مشترك وهوية خاصة ، وبين ممارساتنا
اليومية للحياة الجماعية والفردية (المدنية والقضائية) في سبيل النهوض بهذا الوطن
نهوضا مستقيما .
الناسخ رضوان الركراك