الفطريات والمجهريات خطر محدق بالأرشيف...لا يخفى على أحد منا كم يعاني أرشيفنا من خشونة أيدينا وعنف أقلامنا وقساوة تصفحنا وقلة إهتمامنا .. حتى غدت بعض السجلات تتضرع إلى خالقنا من كثرة ما تعانيه من ضغوط العوامل الطبيعية و البشرية والبيئية والفيزيائية والكيميائية والعوامل الجوية سنحاول تلخيص الجميع فيما يلي :
- عوامل بشرية : من فعل الإنسان كالضغط على القلم أثناء الكتابة حتى يظهر النص على الصفحة الموالية . والعنف في قلب الصفحات والتصفح والبحث بقلق وعصبية والإستهتار بالسجلات وقذفها على الطاولات أو إدخالها وإخراجها من الرفوف عنوة مما قد يتسبب في كشط أسفلها . وقلة العناية بها وعدم مسحها ونفض الغبار عنها وعدم تهويتها .ثم تكديسها فوق بعضها البعض
دون ترك حيز للهواء للمرور بين جنباتها .. أوتركها عرضة للمتطفلين ..أوإستعمال نوع رديء من قلم الحبر الأسود . زد على هذا عدم متابعة العدول أثناء توقيعهم الكنانيش حيث بتوقيعاتهم يعتدون على حرمة السجلات دون قصد ويغلب عليهم الإستعجال فيسودون السطر السفلي كله من الشهادة وكأنهم يرسمون لوحة تشكيلية أو ينتقمون من مجهول.
دون ترك حيز للهواء للمرور بين جنباتها .. أوتركها عرضة للمتطفلين ..أوإستعمال نوع رديء من قلم الحبر الأسود . زد على هذا عدم متابعة العدول أثناء توقيعهم الكنانيش حيث بتوقيعاتهم يعتدون على حرمة السجلات دون قصد ويغلب عليهم الإستعجال فيسودون السطر السفلي كله من الشهادة وكأنهم يرسمون لوحة تشكيلية أو ينتقمون من مجهول.
- عوامل جوية وطبيعية : بفعل إنتشار الرطوبة وضعف التهوية أو الظلام الدامس أو الإضاءة الشديدة أو نوع الضوء بصفة عامة الذي يؤثر في المواد المصنع بها الورق والمواد المصنع بها الحبر . أو أن يكون المكان معرض لكثرة الغبار والأتربة وكذلك الأشعة فوق البنفسجية.أما العوامل الطبيعية فتتلخص في الحرارة المفرطة والأمطار والفيضانات والهزات الأرضية والحرائق (لا قدر الله).
- عوامل فيزيائية وكيميائية : إحتواء الورق على الحمضيات وبقايا المواد الصناعية ومدى تأثرها بغاز الكبريت في المدن الصناعية . وإحتواء الورق على المواد العضوية التي تتأثر بالضوء وتتأكسد وفقا لمدة التعرض لهذا الضوء. وكذلك مادة السيليلوز والغراء والصمغ التي تتفسخ بدورها وتتأثر بالأوكسجين في الجو .
كل هذا يمكن تجاوزه بتكثيف حهود النساخ (الذين يحاولون جاهدين الحد من هذا المشكل) ولكن تواجههم مشاكل من نوع آخر يقفون مكتوفي الأيدي أمامها إذ تحتاج إلى ترسانة من الخبراء البيولوجيين في المجال وإلى عتاد من المعدات المتخصصة في محاربة المجهريات والكائنات الدقيقة التي تعشش في السجلات والكنانيش القديمة وتقتات على أوراقها وتسمم الهواء المحبوس بين صفحاتها وتنتقل إلى بيوتنا عبر ثنايا ثيابنا وشعر أيدينا (وسط الصمت المطبق للسادة النساخ) .. مسببة الحكة الشديدة وتغير لون الجلد وفطر الأظافر والتأثير اللامباشر على النساء الحوامل .. هذا ما دفع بأوربا منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى التفكير الجماعي الإداري والمقنن لصيانة حقل الأرشيف (دون ذكر المحاولات والبحوث الفردية للعلماء والباحثين منذ قرون خلت) أسفر عن مؤتمر سنت غالين بسويسرا 1898 تلاه مؤتمر دريسدن بألمانيا 1899 وعدة مؤتمرات وندوات قيمة أرست علم حقظ الوثائق والأرشيف على أسس علمية قائمة بذاتها تعززت مع نهاية الحرب العالمية الثانية بتأسيس منظمة اليونسكو 1945 والمجلس الدولي للوثائق (ICA) 1950 ثم لجنة الصيانة والترميم 1976 وعدة حلقات دراسية أرسلت العديد من الإستبيانات لمختلف الدول المهتمة بصيانة الأرشيف والتي إقتنت كل الوسائل والأجهزة الكفيلة بالقضاء على العثة وغيرها وكان للسعودية مؤخرا تجربة فريدة تتجلى في سيارات إسعاف تابعة لمركز الترميم والمحافظة على المواد التاريخية في دارة الملك عبد العزيز مجهزة لهذا الغرض تجوب أنحاء البلاد لمداواة الأرشيف من تأثير العوامل البيولوجية والبيئية.
- عوامل بيولوجية وبيئية : كثير منا يتفاجئ حينما يفتح كناش قديم فيخرج عليه عنكبوت أو صرصور أو حشرة لا يعرف إسمها..وكثير منا تزكم أنفه رائحة الكناش المعتقة لا يعرف مكوناتها..وكثير منا يحس بالحكة في يديه ولا يرى بعينه المجردة مسبباتها..لذا سنحاول التطرق بإسهاب لأهم الكائنات المعششة في الكنانيش والسجلات التي يشتغل عليها الناسخ (لخصتها من مجلة اركيفوم ومجلة الوثائق العربية المهتمة بصيانة الأرشيف)
. الأرضة وهي فتاكة تقتات على الورق والخشب والجلود وتفتك بالأرشيف بمرور الأيام
. السمكة الفضية وهي سريعة الحركة لها أرجل عديدة تعيش على أوراق الكتب والمواد العضوية العالقة والأصماغ وتحدث ثقوبا وقروضا وتشويها للكنانيش وتهرب من الضوء وتنشط ليلا في الظلام وفي درجة حرارة 24-16 م°ورطوبة55في المائة.
. الحشرة القارضة ويطلق عليها قمل الكتب وهي حشرة صغيرة مثل قمل السجاد شرهة تعيش على الورق والصمغ وتكافح بالتبخير بالمبيدات.
. دودة الورق وهي سريعة في أكل ورق الكتب وتبدأ دائما من الكعوب.
. دودة CLEPTRA تعد من نوع الخنافس تؤدي إلى تلف الوثائق وتضع بيوضها داخل الثقوب التي تحدثها في الأوراق.
. الخنفساء السوداء وهي على أنواع كثيرة وتضع بيوضها في الكتب الرطبة والمظلمة وتلتهم كل ما يعترض طريقها من الأوراق.
. الفطريات وتزيد على100نوع وتنشط في رطوبة55في المائة وحرارة21-27م° وهذه الفطريات لا تقتات من رطوبة الجو وإنما من رطوبة الكتب ومن الأتربة والغبار ونسبة الماء الممتصة في الكتب وتتكون في المكان عديم التهوية وتتحول إلى عفن مشوه للسجلات وعدوها هو المكان الجاف وذو التهوية الجيدة.
وعلاج كل ما ذكر يكون عن طريق التبخير ومبيدات حشرية ومواد كيماوية والمعروفة علميا ب كالكوردين والكيروسين وD.D.T وبارا دكلوروبنزين وكلوريد الكالسيوم وأكسيد الإثيلين ومادة الثيمول ومادةSELICA GEL وD.D.T المذاب في الكليسرين والتبخير FUMIGATION
ومن جهته أولى المغرب إهتماما كبيرا بهذا المجال منذ عهد الأندلس حتى المبادرة السنوية المسماة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات المنشأة بقرار 1243 لوزير الدولة المكلف بالشؤون الثقافية في 13 محرم 1400 هق 3 دجنبر 1979 والمعدل والمتمم في 1989 و 1996 و2001 وأنشأ سبعة مراكز جهوية لتجميع وتقييم وفحص الوثائق وهي متواجدة بتطوان ووجدة وفاس والرباط ومراكش وأكادير والعيون ثم جاءت الخزانة العامة بالرباط والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية وترميم المخطوطات والتي تضم 12940 مخطوط وأنشأت سنة 1994 بتعاون مع الحكومة الإسبانية مختبر ترميم التراث المخطوط ومن تم مشاركته بمنظمة إسيسكو للتراث المخطوط ثم مشاركته في مشروع مانوميد للحفاظ على التراث المخزون بالمكتبات المتوسطية .
وكانت المبادرة للمكتب البلدي لحفظ الصحة (الذي يكفي إتصال السادة النساخ به عن طريق السلم الإداري) ليقوم بالواجب في رش الأرشيف بالمبيدات الحشرية والتبخير والتعقيم والقضاء على الحشرات الضارة أو القوارض أما الأمور المستعصية كالترميم ومعالجة الحامضية ورتق الثقوب وتآكل كعوب الوثائق وطريقة الميكروفيلم فتبقى من إختصاص مؤسسات خاصة ونادرة في المغرب كفيلة بعلاج الأرشيف مهما كانت عيوبه ومهما كان مهترئا .فهل يا ترى سيكون لأرشيفنا العزيز نصيب في هذا الحراك ؟ وهل سيحظى بالعناية المطلوبة والإهتمام الذي يطمح إليه الجميع.
الناسخ رضوان الركراك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق